تفسد أحزاب الفاست فود الحياة السياسية، لأنها تنشأ بتأشيرات قانونية ولكن لا تمارس فعلا سياسيا حقيقيا يؤثّر في حياة المواطنين ويغيّرها وفق برامج تنموية ورؤى واضحة.. وأحزاب الواجهة هي كل تلك الأحزاب التي تفتقد إلى هيكلة ومؤسسات ولا تسيّر وفق برامج وتصوّرات ولا تطرح بدائل سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية بل عادت ما يكون الهدف في تكوينها هو خدمة أجندات أشخاص أو «لوبيات» هدفها الوصول إلى السلطة ووضع يدها على الحكم، والغاية من ذلك خدمة غايات ومآرب شخصية أو قطاعية وليس طرح بديل جدّي لتسيير الدولة وخدمة الصالح العامّ ..
منذ الإستقلال ضجّ المشهد السياسي بـ«أحزاب الواجهة»، أحزاب تجد مرجعياتها في «الباتيندة» أو تأشيرة العمل القانوني وتستلهم أدبياتها من شخص مؤسسها ومن فكره ورؤيته ولا تستلهمها من تيارات فكرية أو أدبيات ومرجعيات واضحة للعمل السياسي والحزبي.. والى جانب أحزاب «الفاست فود» السياسي التي تكوّنت على عجل لاقتناص «فرصة الحكم» وتتوارى خلف شعار العمل السياسي «البراغماتي» الذي يبحث عن حلول للمشاكل الراهنة، لتبرير غياب الأدبيات والمرجعيات، نجد أحزابا مناضلة وعريقة أخفقت في الحفاظ على خطّها الإيديولوجي والفكري وانساقت خلف الحدث السياسي في مختلف أبعاده و تمظهراته وباتت مواقفها تُكيّف وفق «حصّتها» من السلطة وليس وفق قناعاتها وما تؤمن به ولذلك تحوّلت هذه الأحزاب إلى مجرّد «مسوخ سياسية» ساهمت في تشويه الحياة الديمقراطية بل و«التنكيل بها»..
وبين هذا وذاك برزت أحزاب «الشقوق» و»التصدّعات»، أحزاب وُلدت من رحم الأزمات الداخلية التي عصفت بعدد من الأحزاب التي تكوّنت «على عجل» وأغفلت في سعيها المحموم للوصول إلى السلطة تركيز مؤسسات داخلية قوية وديمقراطية تضمن ديمومتها، وانفجرت مع تفجّر الخلافات بين قياداتها، وهذه القيادات مدفوعة بطموحات كبيرة رفضت الإصلاح الداخلي وبحثت عن «الزعامة» الفردية ولإرضاء هذه النزعة سعت إلى إنشاء أحزاب جديدة «تستنسخ» أفكار وأدبيات وحتى أخطاء الأحزاب الأمّ، وهذا المسار المرتبك شهدته أحزاب كثيرة .
بمنتهى السريالية في المشهد السياسي يرتفع عدد الأحزاب وتتدنّي ثقة المغاربة في الأحزاب والسياسيين، وتقلّص هذه الثقة يعود إلى أسباب أوّلها عجز أغلب الأحزاب، منذ الربيع العربي إلى الآن في طرح حلول لمشاكل المواطنين وانغماس أغلبها في الصراعات الجانبية وفي التطاحن والتدافع السياسي على حساب بلورة أفكار وبرامج تنسجم وتتوافق مع الأزمات الموجودة بل إن بعض هذه الأحزاب تحوّل بدوره إلى أزمة داخل الدولة وفي الوقت الذي توقّع فيه الجميع أن تجد هذه الأحزاب حلولا للأزمات عند بلوغها الحكم بل أصبحت بدورها أزمة خانقة في خاصرة الدولة
يونس لقطارني