عندما نتحدّث عن واقع التهميش وتعطّل البرامج التنموية بالمناطق التي اصطلح على تسميتها ب”مناطق المغرب الاخضر” والجهات المحرومة والذي هو واقع حال أغلب الجهات المغربية، فإننا نتحدّث عن مناويل تنموية متعدّدة ومتنوّعة اعتمدتها دولة الاستقلال وكرّستها طوال عقود، ورغم ثبوت فشلها وقلّة مردوديتها على جميع الأصعدة وفي كل المستويات، الا أنها ومع تعاقب الحكومات وتعدّدها فإن “ثابتة تهميش تلك الهوامش” مقابل “تركيز مراكز عُدّت محظوظة” ظلّت القاسم المشترك بين جميع “السياسات الاقتصادية والمخططات التنموية”، حتى بلغ التناقض مراحله القصوى بين الجهات وتبلور وتطوّر الى نوع من الصراع الخفي وأصبح يمثّل معضلة حادّة كجزء أساسي من الأزمة التي تعاني منها البلاد والعباد.
ذلك أنه وبقدر ما تزخر به تلك المناطق المحرومة من ثروات وموارد وإمكانيات، الا أنها ظلّت تعاني حضرًا وحصارا تنمويا وصحيا وتعليميا وتدنّي مطّرد في مستوى الخدمات والتشغيل نتيجة لتراكم حالات إفقار قسري وتهميش متعسّف، أدت لارتفاع نسب الفقر والجهل والأمراض وموجات نزوح كبرى زادت في توسيع مساحات الهامش، وانعكست حتى في الرأي العام الشعبي الذي لا يرى في تلك الربوع الا خلاء وقفارا ومكانا لا يستطاب العيش فيه رغم أنها كانت هي النبع الذي شربوا منه والثدي الذي استحلبوه حتى صار لبنا مصفى لذّة للشاربين.
فالمعضلة الكبرى تكمن في القسمة الجائرة لتوزيع البرامج التنموية بين المناطق والجهات المختلفة للبلاد بما يضمن العيش الكريم والتوزيع العادل للخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، حيث واصلت النهج الاستعماري الذي اعتمد على صياغة آليات وأدوات مكّنته من السيطرة على مقدّرات البلاد وخيراتها التي أسالت لها لعابه، وفق طريقة اقتصادية دمّرت البلاد من خلال ربط جهاتها بطريقة استغلال براغماتية انتهازية عمدت لتحويل خيراتها وثرواتها الى سلع ومواد تحوّل وتصنّع خارج حدودها مقابل تواضع نصيبها وحصّتها من الثروة، مما أدى الى تخلّف قدرتها البشرية وتدني مستويات التطوير والانماء والازدهار فيها لدرجة التعطيل، واصبحت العلاقات بين المناطق تتسم بعدم التكافؤ وتحوّلت الى نوع من التبعية بدل “الاعتماد المتبادل”، ومع سياسة الانفتاح والتمويل الموجّه للأطراف الخارجية والمؤسسات المالية العالمية والتي لا يعنيها من التنمية المحلية الا ما يحقّق لها الربح الوفير ونهب الثروات العامة، مع اتجاه الدولة لتسليم مصير التنمية للغير، والترويج لسياسة “الانفتاح” تحت شعار أن الحرية التجارية قاطرة التنمية وبوابة العبور للتقدم والازدهار، دون توفير الأطر القانونية والنصوص الاستثمارية المنظّمة التي تحمي الاقتصاد الوطني ككل والقطاعات التي تشغّل أكبر قدر من الطبقات المتوسطة والضعيفة بصفة خاصة، مما نتج عنه انهيار تلك القطاعات الانتاجية الزراعية منها والصناعية والحرفية المشلولة أصلا، نظرا لتردّي مستوى انتاجيتها وعدم قدرتها التنافسية.
فقضية التنمية المتوازنة والعادلة لا يمكن أن تنجح دون العمل على احداث مشروع تحوّل اقتصادي اجتماعي ثقافي متكامل، على غرار ما قامت به عديد الدول التي نجحت في القيام بخطوات عملاقة في هذا المجال في مدّة قياسية، عبر الاعتماد على التمويل الذاتي لمشاريع التنمية وتوسيع دائرة الأحلاف والعلاقات وكسر روابط التبعية مع رموز الاستعمار القديم، عبر احداث خطط استراتيجية تضمن الاستقلال الاقتصادي عبر تكامل وترابط جهوي بما تزخر به البلاد من امكانيات متنوّعة وثروات متعدّدة، يكون هو المدخل الحقيقي والصحيح للإندماج في السوق العالمي وليس عبر الارتباط بنير المديونية وترك المجال واسعا أمام مؤسسات النهب النيوليبرالي بلا رقيب ولا حسيب.