وأخيرا فعلها الوزير “الرميد” وهاهو يجر الصحفية الشابة بدرية عطا الله إلى القضاء، لا عجب في ذلك فالزميلة المميزة باتت تقض مضجعه كما تقض مضجع الكثير من المسؤولين، بأسلوب عرضها السلس والمحترف، وبدقة معلوماتها وتحليلاتها الذكية، وهي أشياء جعلت برنامجها “ديرها عازوينة” الذي يبث على قناة يوتيوب لموقع برلمان.كوم يحشد جمهورا غفيرا، الشيء الذي جعل الوزير الرميد يستشيط غضبا ويرغد ويزبد ويتجه نحو القضاء لمتابعة الزميلة بدرية ومديرة نشر الموقع الزميلة مريم البنين.
غير أن هذه الواقعة، ليست سوى نقطة في بحر الشكايات التي تقدم بها هذا الوزير الإخواني ضد الصحفيين، ما يكشف نزعة قوية لديه نحو التجاوب مع ما ينشر ضده في وسائل الإعلام باللجوء إلى القضاء، وكأن هذه المنابر مطالبة بالصمت المطبق إزاء ما يتخذه السيد الوزير من قرارات، أو الاكتفاء بالتطبيل له والإشادة الدائمة بما يخرج من مكتبه من سياسات. ولو تريث الوزير الملتحي قليلا وتأمل في الفترة التي بدأ يتناوله فيها الإعلام لاكتشف سريعا أنها هي الفترة التي تقلد فيها مهام الوزراة، ومن الطبيعي أن يتوجه الإعلام إلى المسؤولين بالنقد والمساءلة، كما يحصل في كل الدول الديمقراطية.
نعم، اللجوء إلى القضاء لدفع أي ضرر أو المطالبة بالتعويض عنه، هو سلوك حضاري، وإن كان هذا الأخير لطالما لوح به ودعا الوزراء إلى اللجوء إليه عند كل شاردة وواردة، بل وذهب إلى حد وصف الصحافيين بالمرتزقة. لكن لماذا يفعل الوزير الرميد هذا الإجراء فقط ضد الصحفيين؟، لماذا لا يفعله ضد كل من ينتهكون حقوق الأجراء والعمال، والذي صار رجل القانون والمحامي المحنك واحدا منهم؟، أو يفعله ضد إخوانه في الحزب على خروقاتهم بالجملة والتقسيط للقانون والأخلاق العامة؟، او حتى ضد أي برلماني معارض يبني مرافعاته على معطيات مضادة ليكتفي السيد الوزير فقط بالرد عليها ببضع كلمات وينتهى الموضوع؟.
إن مشكلة السيد الرميد مع الصحفيين هي ربما مسألة نفسية لا غير، يريد الرجل أن يعطي الانطباع بأنه صارم في مسألة ترتيب المسؤولية القانونية على الكتابة والنشر، سواء من موقعه كمحام ورجل قانون، أو من موقعه كمسؤول حكومي عن العدل والحريات ثم عن حقوق الإنسان، وهي الصرامة التي لم ترد في سجل الرميد فيما يخص ملف عقارات الاجانب وملف الاتحادي خالد عليوة، ولا فيما يتعلق بالرسائل التي كانت ترد من ذوي حقوق اتجاه بعض الجماعات المحلية، حيث كان يقابلها أيام كان وزيرا للعدل بالإهمال، مقابل الاهتمام الكبير بالرسائل المجهولة التي تهدف إلى النيل من رؤساء الجماعات الذيي يُعتبرون خصوما حزبيين له، وهو التراخي الذي جعله يخسر العودة على رأس وزارة العدل في حكومة العثماني الأولى.
وعلاوة على هذا، لو كان يعرف الوزير الرميد أن الصحافة حينما تعرض المعطيات فهي لا تتهم أحدا، ولا تريد التشهير بأحد، وإنما يمكن حمل كل ما ينشر ولو كان ضد هذا الطرف أو ذاك، فهو بمنزلة التساؤلات ونشر أحدث الأخبار إلى أن يثبت العكس، لاكتفى بالرد على صفحته الفيسبوكية فقط، وسينتشر رده كالنار في الهشيم ويقنع من يشاء الاقتناع يرفضه من يشار الرفض، وهذه هي الديمقراطية. لكن فقط ضعف الثقافة الديمقراطية لدى بعض المسؤولين وضيق صدروهم اتجاه من ينتقدهم يجعلانهم يرون في الأمر تشهيرا أو افتراء، في حين أن الرد الديمقراطي الراقي هو المؤتمرات الصحفية وبيانات التكذيب التي ينبغي على المؤسسات أن تلتزم بنشرها وتعطيها نفس مساحة الخبر، وليس جر الصحفيين إلى القضاء في إساءة مؤلمة لتجربة الديمقراطية في بلادنا، ولسمعة حرية التفكير والتعبير فيها. وإلا فلنا أن نتخيل السيد الرميد في أحد حوارات “التوك شو” التلفزيونية وقد عجز عن الرد على أسئلة الصحفيين ومقارعتهم له بما لديهم من معطيات، ثم مضى مباشرة إلى مقاضاة محاوريه لأنهم يطرحون الأسئلة التي لا يريدها، ولأن خلفياتهم ومعطياتهم غير صحيحة في نظره!.
لو كان السيد الوزير الرميد صادقا فعلا في سعيه إلى جعل الصحفيين يلتزمون قواعد المسؤولية القانونية أثناء التعبير عن أفكارهم ونشر ما يحصلون عليه من معلومات من مصادرهم، بعناء ومشقة ومخاطرة أحيانا، لبادر الوزير الإخواني الحقوقي ورجل القانون إلى تكوين الصحفيين في مجال حقوق الإنسان وتمكينهم من أساسيات الثقافة القانونية، أليس هو الوزير المغرم بـ”سياسة الأبواب المفتوحة”، ولطالما تغنى بأنه فتح مرفق العدالة أمام المواطنين؟، أليس فتح أبواب وزارته الحالية أمام الصحفيين من أجل التواصل والتكوين أسهل بكثير من تحمل “معاناة” مقاضاتهم، ودفع أثمانها سياسيا وأخلاقيا من سمعة البلاد وصورة حكومتها وعلاقة مسؤوليها بالصحافة والصحفيين؟!..يتبع…