يونس لقطارني
ما يجري في المغرب الجديد حكايات تبدو أغرب من غرائب الزمان والمكان ، فهي مسرحية تراجيكوميدية من الطراز الرفيع ، فالنوائب لا تأتينا فرادى وانما مثني وثلات ورباع .
لا يكفي إخواننا السياسيين تدمير أوطانهم، وتشريد شعبهم بالجوع والقمع والاستبداد والتهجير عبر قوارب الموت ، وبيع المغربيات سبايا فى دول خليجية واوروبية ببضع دراهم معدودات ، وقطع أرزاق الناس، وتخفيض رواتب الموظفين والمتقاعدين ورفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية، إلا بتأزيم الأزمات وافتعالها، وإدارة الأزمات بالأزمات، بحيث يمطروننا يوميا بحكايات تبدو وكأننا خارج الزمان والمكان . هل تدنى الحد الأدنى من ذكاء السياسي المغربي إلى حد وقوعه في هذه المهازل والصبيانية والتحراميات السياسية ؟
الأرجح أن هؤلاء السياسيين يحتالون علينا بأزمات يومية، مرة باسم الإصلاح والتغيير، وتارة أخرى باسم الديمقراطية الرعناء، ومدن مغربية تئن تحت وطأة البطالة والفقر والجهل، وميزانية الدولة خاوية على عروشها، والفساد بلا حساب ولا كتاب،وقد أهدروا اموالا خيالية تبني دولا كبرى مثل سنغافورة أو ماليزيا.
اختطف هؤلاء الصبية السياسيون، من هذا الطرف وذلك الطرف، الوطن بالسرقات والأزمات، ومع ذلك يصرون على أن حياة المواطن خمسة نجوم والأمور على أحسن الاحوال .
لا أدري إلى هذه اللحظة، كيف يدار الوطن، بصبية من مراهقي السياسة وسياسيي الصدفة، وشيوخ مصابين بالزهايمر و البواسير وتكنوقراط من بائعي الخضروات والفواكه وتجار من الدرجة العاشرة، وسماسرة عقارات وبنوك، ورجال دين يحبون الدنيا حبا جما ، ويعتاشون على أزمات العباد وطقوسهم وخيرات الصدقات ونعيمها سياسيون سارقون إذا ما تحدثوا إلى وسائل الإعلام ينتقدون الفساد والسرقات، وكأنهم يريدوننا تصديقهم أن الشعب هو السارق، بل إن كل أحزاب الوطن تندد باللصوص، ثم انتهت عجبا باللصوص.
أما أحزاب الوطن من كل الأطراف، فحدث ولا حرج، مشاريعها تتجه إلى العموميات والشعارات الوهمية ولا تقدم حلولا واقعيّة للمشكلات المغاربة ، وإنما تحاول دغدغة عواطف الناس ومزاجهم وحاجاتهم بشكل بدائي يستند إلى ثقافة تقليدية عمرها أكثر من نصف قرن، بمعنى أن هذه الأحزاب تتجه إلى النمط التقليدي في تشكيلتها ومشاريعها، فلا يزال البرنامج السياسي يتأطر بثقافة البيئة التقليدية، ومثقلا بالماضي وردود الفعل، وبآليات الربح والخسارة وكأنها مقاولة ، وبروح اقتناص الفرص، والتلاعب بالعواطف والغرائز، وبأسلوب دكتاتورية الماضي.
ومن الغرابة أن تدعو هذه الأحزاب إلى الديمقراطية وتداول السلطة، وهي نفسها تمارس الدكتاتورية الحزبية بين أعضائها، ومازال الكثير من رؤساء الأحزاب المغربية يحكمون أحزابهم منذ نصف قرن بآلات التحكم عن بعد . فهذه الأحزاب ما تزال تكرس مفهوم الفرد الواحد والقائد الواحد، وإشاعة ثقافة الولاء الحزبي بين أعضائها.
ومثلما تكون المواطنة جوهر وجود المغرب ووحدته وقوته، فإن الحاجة ملحة إلى تجذير الديمقراطية في الأحزاب، وتعميق ثقافة الديمقراطية باتجاه تداول سلطة الحزب، وتعصير أداء السياسي المغربي واستيعابه للعبة الديمقراطية، وإشاعة ثقافة الصوت الرافض داخل البرلمان واحترام رؤيته واجتهاداته. وهذه المهمة لا يمكن أن تقوم بها إلا أجهزة وطنية تجعل مصلحة المغرب فوق الجميع.
المصيبة أن الوطن في مفترق طرق، إما أن يكون وإما لا يكون، والمشهد السياسي يزداد سوادا بالمشكلات والتنابز بالألقاب. لم يعد يشعر الناس بالأمل في ظل حكومات وأحزاب تفتقر إلى العقلانية، ورجال سياسة قادتهم الأقدار إلى أن يصبحوا قادة لبلد كان مضرب الأمثال في الدنيا، وأزمتنا اليوم أننا لا نملك رجال دولة، وإنما سياسيين مصابين بزهايمر السياسة الذي يجعلها “تعرض خارج الزفة” ولا نزال دون مرحلة الرشد السياسي، وتكنوقراطا في السرقات والغنائم مشتركون، وسياسيون يحبون الكراسي حُبًّا جَمًّا وَيأْكُلُونَ أموال الشعب أَكْلا لَما.