يونس لقطارني
بما أن الفساد عشش في دهاليز الدولة المغربية والاحزاب السياسية لأكثر من ربع قرن فقد فسدت أجيال وأجيال وتربت عليه .. وظهرت أسر مشوهة بين فقر مدقع وثراء فاحش وغامض. ومن بين هذا وذاك وجدت أنماط مشوهة في السلوك والأخلاق والقيم .. حيث مجتمع الوفرة الذي تجاوز حدود السفه و الترف و البذخ ومجتمع الحاجة و الفقر تجاوز حدود القاع.. وفيه انتشرت أوبئة كثيرة وفيروسات وامراض شتي بفعل الزمن إذ تضخمت هذه الأوبئة وتلك الفيروسات وأصبحت صعبة على العلاج .
إن الفساد لا يكمن فقط في نهب وسرقة المال العام بالليل والنهار أو الاعتداء عليه. إنما الأخطر هو فساد البشر حيث تضيع أخلاقهم وسلوكهم ومعه تنمو ثقافة التوريث والتشويه في التعليم وضياع التربية والاخلاق والقيم . إذ انتشرت بين هؤلاء نغمة أنهم الأولي بالوظيفة والورثة الأحق بكل مقدرات وثروات الشعب والوطن .
لقد اشاع الفساد والفاسدين الوهم والتدليس والغش والكذب وتلك ظواهر جمع الفاسدون المال والمنصب من خلالها دون جهد وبلا شرف وتناسوا أن هذه الظواهر لا تبني أمة تنهض بنفسها .
و من عاهات الفساد والفاسدين أيضاً أن سادت ظاهرة الرويبضة وهم التافهون الذين يتحدثون في شئون العامة وهم الذين يتكتلون على قصعة الدولة يأكلونها فتنتفخ جيوبهم وكروشهم وتصبح الثروة هي المتحدث الرسمي والوكيل الشرعي لمن ضل وضلل وكذب ونافق وارتشي وسرق ونهب ..
إن هذه الظواهر هي حال بعض المغاربة الذين لا يألون جُهداً إلا وقد أقسموا على الفساد وحمايته إذ المصالح الضيقة أفضل وأهم عندهم من بناء المغرب وتقدمه .
نعم الفساد يكون حين يكونوا البشر.. لكن جهد الدولة وقوة القانون وعزيمة المخلصين من شأنهم تقليص ومحاربة هذا المرض الخطير الذي بات مشاعاً بيننا وسلوك الفهلوة الذي أضحي عنوان تلبيس الحق بالباطل والباطل بالحق في مجتمع يئن من الفقر والبطالة والهشاشة وغلاء الأسعار بلا مبرر.
وهذا سلوك ليس مستغرباً من أناس في شعب ينفق على المخدرات والكحول أكثر من 151 مليار سنويا، وعلى المسلسلات التركية والبرامج التافهة نحو 2.5 مليار وعلى التافهين اكثر من مليار و 400 مليون، مع أن نفاياته تملأ شوارع مدنه وقراه ويتهرب من اداء تذكرة القطار والمترو ويخالف قواعد المرور و يسرق الكهرباء والماء، ويغش في الميزان ويبيع السموم و لحوم الحمار والكلاب والمواد الفاسدة وكذا تشيع بينه شهادة الزور والمنكر والفجور التي تضيع الحقوق ويبني رأيه علي أساس مصلحته ،وإذا تحدث أفصح عن عشوائية عقله والصور الذهنية الفاسدة المعششة فيه.
إن الفساد والفاسدين لا تُصلحهم الإعلانات ولا تُردعهم الخطب في المساجد والجماعات. إنما تفعيل القانون وتغليظه والعدل في تطبيقه هي الحرب بعينها على الفساد والفاسدين الذين بسببهم باتت سمعة المغرب الدولة على المحك وفى ترتيبات النزاهة والشفافية وتأثير ذلك كله على الاقتصاد العام الذي هو المحرك الرئيسي لتنمية حقيقية مستدامة.