Site icon أروى بريس – Aroapress – جريدة إلكترونية مستقلة تصدر من إسبانيا

الأبعاد الجيوستراتيجية لتغيير السياسة الخارجية الإسبانية تجاه المغرب

الدكتور خالد الشرقاوي السموني – مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية


إن الأزمة السياسية بين المغرب وإسبانيا التي نشأت بسبب استضافة هذه الأخيرة لزعيم جبهة “البوليساريو” ابراهيم غالي على أراضيها ، يمكن تحليل أبعادها بناء على توجهات السياسة الخارجية الجديدة  لإسبانيا تجاه المغرب خلال المدة الأخيرة ، المبنية على الواقعية السياسية ، والرامية إلى التأثير على المغرب على المستوى الجيوستراتيجي ، بالتحالف مع خصوم الوحدة الترابية، لعرقلة السبيل الوحيد لحل النزاع حول الصحراء ألا وهو الحل السياسي المؤيد من قبل مجلس الأمن الدولي، خاصة بعد اعتراف الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بمغربية الصحراء وإحداث قنصليات بمدينتي العيون والداخلية، فضلا عن أسباب أخرى سنتطرق إليها فيما بعد.
تجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن إسبانيا تعيش مشاكل اقتصادية وأزمة في الطاقة، ولمواجهة هذا الوضع تبحث عن أسواق خارجية وتسعى لتكثيف استثماراتها في بلدان المغرب العربي خاصة، وفي إفريقيا عامة، ولهذا السبب تحاول إسبانيا خلق علاقات اقتصادية وأمنية بأكبر عدد من دول هذه المنطقة.
ورغم العلاقات التاريخية بين المملكة المغربية ونظيرتها الإسبانية المبنية على الشراكة والتعاون في مجالات عدة، أساسها المجال الاقتصادي والثقافي والأمني، فإن إسبانيا صارت تنظر إلى المغرب كمنافس جيوستراتيجي لها على مستوى القارة الإفريقية ، بعدما كانت آخذة عليه صورة نمطية كمستعمرة سابقة و بلد متخلف . ويتجلى ذلك في الأسباب التالية :
–      يعد إنشاء ميناء طنجة المتوسطي يعد من أهم الإنجازات التي تحققت في عهد الملك محمد السادس بعد ثلاث سنوات من توليه الحكم ، هذا الميناء الذي أصبح ينافس ميناء الجزيرة الخضراء جنوب إسبانيا من حيث التجارة الدولية وموقعه الاستراتيجي على صعيد منطقة البحر الأبيض المتوسط.  بالإضافة أيضا إلى إنشاء ميناء الناظور، مما شكل أيضا منافسة قوية للتجارة البحرية الاسبانية ، التي كانت دائما تسعى إلى الاستحواذ على المجال البحري بالبحر الأبيض المتوسط.
–      أصبح المغرب “ورقة صعبة” داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، خصوصا مع ثقله الاقتصادي باعتباره ثاني مستثمر بالقارة، ومن المتوقع أن يحتل المرتبة الأولى بعدما استثمر بشكل كبير مؤخرا، مثل إنشاء أكبر معمل للأسمدة بإثيوبيا، وإطلاق مشروع إنجاز خط إقليمي لأنابيب الغاز مع نيجيريا. علما بأن إسبانيا لها استثمارات مهمة بعدد من الدول الافريقية ، وتنظر إلى المغرب كمنافس جيوسراتيجي ، باعتبار حلقة وصل بين إسبانيا وغرب أفريقيا ،و تخشى أن يهيمن المغرب على أكبر الاستثمارات بالقارة السمراء.
–      صادق البرلمان المغربي السنة الماضية على مشروعيْ قانونين يحددان الحدود البحرية للمملكة المغربية بشكل أحادي. ويحدد القانونان الجديدان الحدود البحرية للمملكة وينشئان منطقة اقتصادية خالصة يبلغ مداها 200 ميل بحري في المياه الواقعة بين الصحراء المغربية مع جزر الكناري الواقعة تحت سيطرة إسبانيا. وهو ما سيساعد المغرب على استغلال الموارد الطبيعية والثروات الباطنية الموجودة في قاع البحر بمحاذاة السواحل المغربية في الجنوب، كالتيلوريوم والكوبالت والباريوم والنيكل والرصاص والفاناديوم والليثيوم. ناهيك عن جبل تروبيك الواقع في المياه الإقليمية المغربية ، “الكنز الأطلسي المغمور” حسب ما سماه البعض، الغني بالمعادن المهمة، إذ يحتوي على 10% من الاحتياطي العالمي من “التيلوريوم” المستعمل في صناعة ألواح الطاقة الشمسية والإلكترونيات، إلى جانب مخزون ضخم من “الكوبالت” المستخدم في صناعة السيارات والصناعات العسكرية.
هذا مع العلم أن ترسيم الحدود البحرية سبق وأن أشعل مواجهة بين المغرب وإسبانيا التي رفضت هذه الخطوة الأحادية، ثم أنه في حالة ما أقدم المغرب على اكتشافات معدنية بجبل تروبيك قد يؤدي ذلك إلى مزيد حدة المواجهة بين البلدين ، خاصة أن حكومة جزر الكناري سبق أن لوحت باللجوء إلى الأمم المتحدة بعد ترسيم الحدود.

Exit mobile version