هشام آيت الحاج / أروى بريس //
فبعد الواقعة التّي اهتز لها المُجتمع المغربي قبل شهور إثر وفاة أم مغربية، على يد ابنها القاصر بسبب لعبة “فري فاير”، إلى جانب حوادث أخرى أخذت أبعاداً وطنية بالنظر إلى بشاعتها، يعيش الكثير من الأسر قصصاً مأساوية بسبب هوس أبنائها بالألعاب الإلكترونية ومطالبتهم بأموال لخوض المغامرة، تقول نجاة وهي أم لطفل مدمن لألعاب الفيديو: “حوَّلَت الألعاب الإلكترونية حياتي مع ابني إلى جحيم فقد أصبح كثير الانفعال والغضب في كل مرة أحاول منعه من اللعب”.
تحكي نجاة التحولات التّي طرأت على شخصية ابنها من طفل اجتماعي إلى انطوائي لا يغادر غرفته، ورفضه السفر مع عائلته ومشاركة المُناسبات العائلية، وتضيف: “لم يعد يشاركنا الطعام، يكتفي بأكل أشياء خفيفة أمام حاسوبه أو هاتفه أو لوحته الإلكترونية، ما تسبب له في مضاعفات صحية بسبب ضعف التغذية”.
وتحول الهوس بالألعاب الإلكترونية للطفل البالغ 14 سنة، من التسلية إلى الإدمان والمُطالبة بأموال يدفعها بالبطاقة البنكية لتسلُّق مراتب متقدمة من التحدي الافتراضي، ثم وقوعه ضحية احتيال. وتسترسل الأم قائلة: “لم أستطع السيطرة على إدمانه هذه الألعاب رغم محاولات كثيرة باءت بالفشل، وكل مرة أرفض منحه البطاقة البنكية للأداء مقابل اللعب كانت تنتهي بملاسنات كلامية، كما وقع في فخ نصبه مجهولون تعرَّف إليهم عن طريق الإنترنت، وطالبوه برقم البطاقة البنكية ورقمها السري وهددوه في حالة رفضه ذلك”.
تسلية قاتلة
هذا الخطر الذي أصبح يُداهم عقول العديد من الأطفال حسب الأخصائي النفسي محمد البارودي، “له تداعيات نفسية وسلوكية تتجلى باضطرابات القلق والاكتئاب، كما تؤدي الألعاب الإلكترونية إلى العنف والعصبية الزائدة لدى الأطفال، وهذا لوجود ألعاب عنيفة تجعلهم أكثر عدوانية”.
ويبرز الأخصائي النفسي أنّ أثر ألعاب الفيديو على الجانب الإدراكي والمعرفي يؤدي بشكل مُباشر إلى تدني مستوى التحصيل الدراسي، موضحاً أنّ “الطفل يمر بمرحلة التجريب ثم التعاطي بنسب متفاوتة ثم الإدمان، ما يجعل من الصعب التخلي عنها”.
ويبرز البارودي أنّ مستوى التأثير النفسي للألعاب الإلكتروني قد يؤدي إلى الانتحار أو القتل، مُستدلاً بحالة طفل يبلغ 10 سنوات حاول الانتحار بتناول كمية كبيرة من أدوية والدته، بسبب منعه من طرف والده اللعب في فترة الحجر الصحي، وأُنقذ إثر تدخل طبي، وحالة ثانية تسببت بوفاة طفل بعد قفزه من سطح المنزل في محاولة تقليد لعبة إلكترونية تجسد شخصية “سبايدر مان”.
وخلص الأخصائي النفسي، إلى أننا أصبحنا أمام ظاهرة تُشكل تهديداً على صحة الأطفال والمُراهقين، التي عرفت انتشاراً كبيراً خلال الآونة الأخيرة، وبروزها بشكل أكبر خلال فترة الحجر الصحي، ولجوء الأطفال إلى التسلية واللعب الإلكتروني، في ظل غياب مراقبة الآباء”.
ونبّه المتحدث إلى التعامل الخاطئ للآباء مع هذا الخطر، واللجوء إلى حرمان أبنائهم وإقامة قطيعة مع هذا النوع من التسلية بعد بلوغ مرحلة الإدمان، بخاصة المراهقين، الذي يتحول إلى عواقب وخيمة قد تصل تداعياتها إلى لجوء المراهق إلى سرقة المال أو أثاث البيت لشراء جوال أو قضاء سويعات بمقاهي الإنترنت، مُشدداً على ضرورة تنفيذ حملات تحسيسية وتكوينية في المؤسسات التعليمية للتعريف بخطر هذه الألعاب وسنّ قوانين تمنع أصنافها الخطيرة.
مطالب بالحظر
من جهته دعا عبد العالي الرامي رئيس منتدى الطفولة، إلى حظر الألعاب الخطيرة ووقف نشاطها، بخاصة الألعاب الإلكترونية التي برزت خطورتها على الناشئة والمجتمع، منها ألعاب تدفع بعض المدمنين إلى الانتحار، مشدداً على “ضرورة التحلي باليقظة الجماعية وتحمُّل أولياء الأمور مسؤولياتهم وعدم ترك الهواتف والحواسيب في أيادي الأطفال بلا مراقبة ومواكبة”.
ويُورد الفاعل الحقوقي أنّ “هذه الألعاب أصبحت تجرّ الأطفال إلى العنف وتهدد سلامتهم البدنية والنفسية، ويضيف: “الكثير من الأطفال والمراهقين مدمن على هذه الألعاب، إذ يقضون أوقاتهم غارقين في اللعب غير مبالين بمحيطهم وبيئتهم”، مؤكداً أنّ “الألعاب الإلكترونية لها أهداف ربحية، ومنها ما يشجع على العنف، ومنها ما يشغل ذهن الطفل ويؤثر على سلوكه، مما قد يشكل خطراً على المجتمع أو على ذاته أيضاً”.
وأشار الرامي إلى أنّ فترة الحجر الصحي بسبب كورونا تركت أضراراً نفسية لدى العديد من الأطفال أثناء مكوثهم في المنازل، ما أدى إلى تغيير في سلوك العديد من هذه الفئة، إذ تركت الأسر أطفالها أسرى لأجهزتهم الإلكترونية.
أمّا على المستوى التشريعي فقد سبق للبرلمان المغربي أن تطرّق إلى موضوع الألعاب الإلكترونية التي أصبحت تجذب الأطفال واليافعين، بخاصة خلال فترة الحجر الصّحي، إذ إن “الترخيص بتداول هذه الألعاب القاتلة في المغرب وعدم حجبها وفرض رقابة عليها يجعل الحكومة شريكة بهذه الجريمة”.
واعتبر سعيد بعزيز، برلماني عن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب (المشارك في الحكومة)، في سؤال وجهه إلى الحكومة المغربية، أن “هذه الألعاب ترتكز بداية على التحدي وإحساس الطفل أو الشاب المقبل عليها بكونه يدخل مغامرة يكتسب منها شخصية قوية، لكن بمجرد إحساسه بالأمان يُصبح مدمناً لها لينتقل إلى مرحلة أكثر تقدماً تسود فيها القطيعة مع المحيط الأسري والعزلة التامة معهم مقابل التفرغ للجوال أو اللوحة الإلكترونية”.
ونبه النائب البرلماني قائلاً: “في المرحلة الأخيرة يُصبح مدمن هذه الألعاب مريضاً نفسياً، وقد يدفع تهديده باستعمال معطياته الشخصية إلى الاكتئاب الحاد والبحث عن سبل إيذاء نفسه، ليختتم مسار حياته بالانتحار”.