يونس زهران أروى بريس
عندما غزا العراق الكويت في مطلع التسعينات أقيمت الدنيا و لم تقعد بين مندد و مهدد و متوعد … كل الدول سواء العربية منها أو الغربية هددت و أرغدت و أزبدت ، متوعدة العراق بعقاب لن ينساه أبدا .
اجتماعات ماراطونية لجامعة الدول العربية و للأمم المتحدة و لحلف الناتو و كل المنظمات الدولية و الإقليمية ، و كلها أجمعت على ضرورة شن حملة عسكرية على العراق ، و ذلك لتأديبه و توبيخه على فعلته هذه .
فتم حشد الجيوش العالمية لأكثر من 30 دولة و تم تطويق العراق من كل الجهات ، و تم استخدام القواعد العسكرية العربية لذلك .
و عندما وضعت الحرب أوزارها لم يتسغ الغرب و معه أمريكا و كل الأمم المتحدة صمود العراق و رد القصف بالقصف المضاد بل و كانت له الجرأة على قصف تل أبيب ، وتم استخدام مجلس الأمن للثأر منه … جعل الغرب يكيد له مكيدة السلاح النووي و أسلحة الدمار الشامل ، و فرض عقوبات اقتصادية عليه لتضعيفه و تهوينه في أفق إسقاط نظامه .
و هو ما تأتى للغرب بعد 13 عاما من الحصار بمباركة البلدان العربية و هي صاغرة ، حتى من كان ضد الحصار ، لم يكن يستطع ليجاهر برأيه خوفا من أمريكا و بريطانيا .
يقال أن التاريخ يعيد نفسه ، فعلا هو كذلك ، فبعد 30 عاما من العدوان الغربي على العراق و إسقاط نظامه و قتل رئيسه ، يأتي الدور على روسيا لكي تغزو أوكرانيا ، لكن هذه المرة يختلف الأمر كليا ، حيث تخلت كل بلدان العالم عن أوكرانيا و تركوها تجابه مصائبها لوحدها . فقط هناك تنديدات محتشمة من هنا و هناك لا تسمن و لا تغني من جوع او كما يقال في الكلام المأثور الشعبي المغربي “التقلاز من تحت الجلابة “.
و سبب كل هذا الصمت يتجلى في عدة عوامل وهي :
روسيا قوة نووية و أي تصعيد ضدها ، سيعرض المنطقة إلى حرب عالمية و ستتأثر أوربا بشكل كبير و هي التي ألفت العيش الرغيد و البحبوحة ، و لا يريدون العودة إلى الوراء قيد أنملة ، و تعريض بلدان الاتحاد الأوربي للدمار و الخراب مع وجود جيل يعيش فيها لا يعرف الحرب و الجوع و النقص في الأموال و الغذاء ، و كل ما يعرفه في هذه الحياة هو العمل و السفر و العيش الكريم . لم يجرب عطشا ولا جوعا و لا بردا .
أمريكا تعلم أن أي تصعيد ضد روسيا ستخسر فيه الكثير لأن استخدامها لمجلس الأمن مع وجود الفيتو الروسي و الصيني يعتبر بمثابة انتحار لها و إنهاء لغطرستها و تسيدها للعالم ، و سيجعلها أمام الدول التي تستعرض عضلاتها عليها صاغرة و ضعيفة و عديمة الجدوى أمام القوى المنافسة لها .
الصين تراقب الوضع عن كثب و هي بعيدة كل البعد سواء جغرافيا أو اقتصاديا عن هذه الحرب ، و ربما استمرارها و اتساع رقعتها سيكون في صالحها ، وذلك للمزيد من السيطرة على الاقتصاد العالمي .
حقيقة صم العالم لآذانه عن معاناة أوكرانيا و ما يقع لها من تقتيل و قصف ، يذكرني بشعب الروهينغا و مسلمي الهند . هذان الشعبان اللذان يتعرضان إلى غاية اليوم ، للتطهير العرقي في ظل صمت العالم بأسره .
و هذا ما سيحدث لأوكرانيا إن لم يزرع الله قليلا من الرحمة في قلب بوتين .
التاريخ دروس ، و من لا يستفيد منها يستحق ما سيجري له ، أو لم يقل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، المؤمن لا يلذع من الجحر مرتين ؟؟؟؟