Site icon أروى بريس – Aroapress – جريدة إلكترونية مستقلة تصدر من إسبانيا

ارتفاع أسعار الغذاء والسلع العالم يشهد أضخم تحولات لم يشهدها منذ عقود

أروى بريس 

خطط الأزمات تعود إلى الواجهة

تتواصل الاستعدادات لمواجهة التداعيات الاقتصادية لعزل روسيا عن الاقتصاد العالمي من خلال عقوبات صارمة فاقت العقوبات ضد كوريا الشمالية، لكن حصار روسيا ثاني أكبر موردي المواد الخام في الاقتصاد العالمي يسهم بإحداث تغييراتٍ مقلقة، بسبب التخلّي عن خط إمدادٍ أساسي لقطاعات الطاقة والمعادن والمحاصيل. وأحدثت هذه التطورات تقلباتٍ وقفزات قياسية في الأسعار ونطاقاتها بحسب تحليلات ساكسو بنك، الذي يلفت إلى أن أسواق السلع العالمية تشهد تغيراتٍ هي الأضخم والأكثر حدة ربما منذ حظر النفط في عام 1973، ما يفاقم من النقص المستمرّ في الإمدادات التي لا تقتصر على قطاع الطاقة كما في السابق، بل تشمل قطاع المعادن الصناعية وبعض السلع الزراعية.

وتصدّر أوكرانيا وروسيا 29% من إجمالي قمح العالم عن طريق البحر الأسود غالباً، لذا تُعد الحرب في أوكرانيا، المعروفة بأنها بمثابة سلة خبز أوروبا، تطوراً خطيراً يهدد الأمن الغذائي العالمي نظراً لأهمية القمح والأرز بين السلع الغذائية. وتوجد عدة دول نامية من مستوردي القمح في العالم، أبرزها مصر وتركيا وإندونيسيا والجزائر، وجميع هذه الدول معرضة لآثار سلبية كبيرة نتيجة لارتفاع أسعار السلع الغذائية. ورغم تدارك بعض الدول مثل الولايات المتحدة لنقص القمح بإجراءات وقتية وضخ كميات ضخمة منه، إلا أن مستقبل محاصيل روسيا وأكرانيا من القمح أصبح موضع قلق مع نزوح المزارعين الأوكرانيين الذين أصبح معظمهم لاجئين في أوروبا ولا يعتقد أنهم سيعودون لزراعة أراضيهم في المستقبل القريب.

كالعادة في كل أزمة وحرب، هناك من يستعد لاقتناص الفرص بل وصناعة الثروة، مع وجود شبه إجماع بأن الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا هي أكبر الخاسرين على الصعيد الاقتصادي من الحرب في أوكرانيا، وتجلى ذلك في الأثر الواضح على معدل صرف عملة اليورو مقابل الدولار الأميركي، حيث انخفض بمعدل %3.4 خلال الحرب الروسية الأوكرانية التي تشهد حصارا اقتصاديا شاملا ضد روسيا عدا عن النفط والغاز.

اللافت أنه رغم العقوبات الصارمة ضد روسيا إلا أن عمل شركات مئات الشركات الأمريكية والغربية يتواصل كالمعتاد في مقراتها الروسية، حسب رصد نشرته جامعة يال، فيما أظهرت تقارير صحفية مواصلة شركات الملياردير الأمريكي تشارلز كوخ مثل غارديان اندستريز عملها هناك. وأظهرت التقارير استمرار عمليات هذه الشركات رغم النزاع العسكري في أوكرانيا. وذكرت بلومبرغ على سبيل المثال أن شركة صناعة المعدات الثقيلة الأمريكية كاتربلر تواصل اعتماد روسيا كطريق في سلاسل الإمداد الخاصة بها رغم إعلان الشركة وقف أنشطتها الأساسية في روسيا بسبب الحرب الأوكرانية.
وذكرت التقرير أن استمرار كاتربلر في العمل في روسيا لنقل المكونات والآلات يظهر بجلاء هشاشة سلاسل الإمداد في العالم. كما تظهر مدى اعتماد الاتحاد الأوروبي والصين على طرق الشحن التي تمر عبر روسيا التي تعبر بين أوروبا والصين منذ أن أصبحت طاقات الشحن البحري مكلفة ومحدودة.

وبذات الوقت خرجت شركات غربية عديدة لتنهي استثمارات تواصلت منذ عقود في روسيا لهذه الشركات خلال أول أسبوع من وقوع الأزمة بقرارات استراتيجية تنهي العمل في ذلك البلد، مما يجعل تلك الشركات تتوجس من الاستثمارات في دول عديدة في المستقبل خوفا من أزمات مشابهة تدفعها للخروج خلال أيام قليلة، والاستعداد لتقييم المخاطر السياسية وجعل الاطلاع على المخاطر السياسية، ووضع خطة طوارئ للخروج السريع، ضمن استراتيجية الاستثمار. وكذلك حال الدول التي أصبحت منذ جائحة كورونا المستجد تبحث عن أكثر من مصدر لتنويع منشأ وارداتها أو حتى تعزيز الاكتفاء الذاتي إن كان في متناولها، لتتجنب خسار مصادرها عند وقوع أي أزمة لسلاسل الإمداد وحركة التجارة العالمية.
ترتسم خلال هذه الأزمة مسارات اقتصادية جديدة سواء كانت في أنابيب النفط والغاز في البحر المتوسط ومختلف أرجاء أوروبا، أو في الشركاء التجاريين.

روسيا أعلنت أمس أنها ستعمل على إعادة توجيه صادراتها من الطاقة نحو الشرق بينما تحاول أوروبا تقليل وتزود روسيا الاتحاد الأوروبي بنحو 40 في المئة من احتياجاته من الغاز الطبيعي، وأضرت العقوبات الغربية على ما تسميه موسكو “عمليتها العسكرية الخاصة” في أوكرانيا بصادراتها من الطاقة من خلال تعقيد التمويل والأمور اللوجستية المتعلقة بالصفقات الحالية.
ويرسخ الكرملين علاقات أوثق مع الصين، أكبر مستهلك للطاقة في العالم، ودول آسيوية أخرى. وقال بوتين في اجتماع حكومي بثه التلفزيون “من يسمون بالشركاء من الدول غير الصديقة يقرون بأنفسهم أنهم لن يكونوا قادرين على العيش بدون موارد الطاقة الروسية، ومنها الغاز الطبيعي، على سبيل المثال”. وأضاف “لا يوجد بديل منطقي (للغاز الروسي) في أوروبا الآن”. كما قال بوتين إن حديث أوروبا عن تضييق الخناق على إمدادات الطاقة الروسية لا يفعل شيئا سوى رفع الأسعار وزعزعة استقرار السوق. وقال إن روسيا، التي تنتج نحو عُشر إنتاج النفط العالمي ونحو خمس الغاز، ستحتاج إلى بنية تحتية جديدة لتعزيز إمدادات الطاقة إلى آسيا.
وأمر الحكومة بتقديم خطة بحلول الأول من يونيو حزيران تشمل “توسيع البنية التحتية للنقل إلى بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية (و) آسيا والمحيط الهادي”. كما سعى إلى توضيح إمكان إدراج خطي أنابيب- باور أوف سيبيريا المتجه إلى الصين وسخالين-خاباروفسك-فلاديفوستوك في أقصى شرق في النظام الروسي الموحد لإمدادات الغاز. وقد يسمح ربط هذين الخطين بالشبكة الأوسع لروسيا نظريا بتحويل تدفقات الغاز من أوروبا إلى آسيا والعكس.
كما قال بوتين إن دور العملات الوطنية في صفقات التصدير يجب أن يرتفع، وسط خطط روسيا للتحول إلى الروبل في مدفوعات إمدادات الغاز، خاصة إلى أوروبا. وقال بوتين إن أكثر مشاكل القطاع حدة تتعلق بتعطيل المسائل اللوجستية الخاصة بإمدادات الطاقة.