بقلم نادية الصبار : باحثة في علم السياسة والقانون الدستوري
الإشارات الثلاث لخطاب ثورة الملك والشعب
1- ملك اختار المنفى وملك اختار الصحراء ولا يقبل المزايدة من الخصوم وأعداء الوحدة.
2-المراهنة على وحدة الصف وتعبئة الجالية المغربية واليهود المغاربة كسفراء للمغرب عبر العالم.
3- مغرب السلام والتعايش بين الديانات ولا فرق بين مغاربة العالم.
لكل خطاب غاية وللخطاب الملكي السامي أسمى غاية، وكما عودتنا السدة العالية بالله أن لا تفوتها مناسبة إلا واعطتها ما تستحق من ولاية وكريم عناية، وللذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب.. إشارات قوية ورسائل واضحة للعالم ولمغاربة العالم.
افتتح عاهل البلاد خطابه فقال، “نخلد اليوم، ذكرى ثورة الملك والشعب المجيدة، التي شكلت مرحلة فاصلة، على درب تحقيق الاستقلال.
كما جسدت عمق روابط المحبة والتعلق، بين ملك فضل المنفى، على المساومة بوحدة الوطن وسيادته؛ وشعب قدم تضحيات جسيمة، من أجل عودة ملكه الشرعي، واسترجاع الحرية والكرامة”.
وخير الكلام ما فاح بعطر المناسبة، عهد قديم يدوم ويبقى ولحمة تتقوى ولا تبلى، بين ملك اختار المنفى وشعب آزره وعهد بينهما لا يفنى، فلا غرو أن خصص الملك الإمام المناسبة لملف الصحراء، والمناسبة صارت اثنتان، الأولى تذكير بالعهد والثانية تجديد للعهد والمراهنة على قوة اللحمة بين مغاربة العالم بما في ذلك اليهود المغاربة والعرش والوحدة.
إنها لرسالة قوية للعالم “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي نقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”. فكأنه يقول أن من يشككون في ملفنا وقضيتنا وكل المناوئين الذين يعرقلون مشروع وحدتنا ليسوا أصدقاء وليس من حقهم الادعاء أنهم كذلك أو أنهم حلفاء… وكأنه يقول للعالم (نحن وصحراؤنا ولا بلاش).
رسالة بسيطة في ظاهرها وقوية حمولتها السياسية والتي لا تدع أي مجال للمزايدة على قضية الصحراء من الخصوم. إما معنا أو ضدنا. بل جعلها في خطابه السامي بمثابة جهاز الكشف أو الفحص لقوة العلاقة التي تربط المملكة المغربية بالدول الصديقة والحليفة.
مرسلا بذلك إشارات قوية على أن ملف الصحراء فوق كل اعتبار وقضية المملكة الأولى والأخيرة وحجر الزاوية والركن الأساس في أي علاقة قد تربطه بدول العالم عموما ودول الجوار خصوصا، منوها بالمناسبة بالموقف الأمريكي الثابت رغم تعاقب الإدرات وكذا موقف الجارة الأوربية “إسبانيا”. وعلى شاكلتها كل الدول الإفريقية ودول أمريكا وأوروبا وكافة الدول العربية التي ناصرت قضية المغرب الأولى.
وما اختيار جلالته للتأكيد على ملف الصحراء بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب المجيدة، إلا لأنها؛ أي ذكرى ثورة الملك والشعب “مرحلة فاصلة، على درب تحقيق الاستقلال”، والتي جسدت ولا زالت “عمق روابط المحبة والتعلق، بين ملك فضل المنفى، على المساومة بوحدة الوطن وسيادته؛ وشعب قدم تضحيات جسيمة، من أجل عودة ملكه الشرعي، واسترجاع الحرية والكرامة”. من نص الخطاب الملكي السامي.
ولذلك أكد جلالته على أن ملف الصحراء جزء لا يتجزا من المشروع الوحدوي للمملكة والذي “بنفس روح التضحية والتضامن، تم استكمال الوحدة الترابية، باسترجاع الأقاليم الجنوبية للمملكة”.
مسألة أخرى لاتقل قوة عن سابقتها، ألا وهي أنه؛ إذا كان المغرب قد قطع أشواطا كبرى في تحقيق مشروع الوحدة “لقد تمكنا خلال السنوات الأخيرة، من تحقيق إنجازات كبيرة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة، بخصوص مغربية الصحراء”. فإنه مشروع لن يستقيم رغم الدعم الدولي والمكاسب التي حققتها السياسة المولوية الرشيدة في إرساء المشروع الوحدوي وكسب مزيد من الدعم الدولي وان إنشاء الدول “الصديقة ” للقنصليات بكل من الداخلة والعيون مكسب تاريخي ذي شأن، لكنه لن يستقيم إلا بالدعم الحقيقي للشعب المغربي ووحدة الصف ملكا وشعبا. يقول جلالة الملك: “حجر الزاوية في الدفاع عن مغربية الصحراء. هو وحدة الجبهة الداخلية والتعبئة الشاملة لكل المغاربة، أينما كانوا، للتصدي لمناورات الأعداء.”
حيث أكد جلالته بلغة مباشرة وواضحة أن جهود المملكة لن تستقيم إلا بشعب يتعبأ تعبئة شاملة وكاملة وبدون أدنى مزايدة للتصدي لمناورات الأعداء، وكأنه يذكر شعبه لعل الذكرى تنفع المؤمنين؛ أن ميثاق الملك والشعب عهد لن يزول. وإذا كان الملك الراحل محمد الخامس قد اختار المنفى من أجل الوطن وشعبه آزره، ها هو ذا ملكنا المفدى الملك محمد السادس يختار عهد الصحراء ولا يزايد عليه ويطلب من شعبه وحدة الصف.
حيث نوه جلالته بجهود مغاربة العالم: “ولايفوتني هنا، أن أوجه تحية إشادة وتقدير، لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، الذين يبذلون كل الجهود للدفاع عن الوحدة الترابية، من مختلف المنابر والمواقع، التي يتواجدون بها”.
وأضاف: ” المغرب والحمد لله، يملك جالية تقدر بحوالي خمسة ملايين، إضافة إلى مئات الآلاف من اليهود المغاربة بالخارج، في كل أنحاء العالم”.
وهذه إشارة أخرى لا أخيرة على أن مغاربة العالم هم سفراء المغرب وممثلوه، يؤكد جلالته في خطابه الملكي السامي : “فالجالية المغربية بالخارج، معروفة بتوفرها على كفاءات عالمية، في مختلف المجالات، العلمية والاقتصادية والسياسية، والثقافية والرياضية وغيرها. وهذا مبعث فخر للمغرب والمغاربة جميعا”.
إشارة أخرى والتي تؤكد أن خطاب ذكرى الملك والشعب لسنة 2022 بمثابة تجديد العهد مع أبنائه وبناته من مغاربة العالم بما في ذلك الآلاف من اليهود المغاربة، حيث شدد جلالته على
توفير الظروف الملائمة بل وإعادة النظر في كل ما من شأنه أن يساهم في إشراك الجالية المغربية في مسار التنمية
جاء في الخطاب: “لابد أن نتساءل باستمرار : ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي، والسياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم ؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم ؟ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟ من نص الخطاب الملكي السامي.
هذا ولا يفوت الذكر بما وجب أن يذكر وهي تلكم الرسالة المشفرة لخطاب السلام والتعايش مع الأديان، حيث اكد جلالته أن الجالية المغربية هي كل مغاربة العالم واليهود المغاربة، رسالة تفيد مغرب السلام والتعايش مع الأديان وأنه مغرب كل المغاربة بلا استثناء.. جاء في خطابه المولوي السامي: “والمغرب والحمد لله، يملك جالية تقدر بحوالي خمسة ملايين، إضافة إلى مئات الآلاف من اليهود المغاربة بالخارج، في كل أنحاء العالم”.