Site icon أروى بريس – Aroapress – جريدة إلكترونية مستقلة تصدر من إسبانيا

العمليات الإجرامية للجماعات الإرهابية بإفريقيا خلال شهر غشت

يونس لقطارني – متخصص فى الجماعات الجهادية و الجريمة المنظمة 

تحولت منطقة الساحل الإفريقية في العشرية الأخيرة إلى بؤرة مفضلة للجماعات الإرهابية بكل اطيافها وجدت فيها بيئة خصبة لأنشطتها الإجرامية، مستغلة عدة عوامل، أبرزها هشاشة كثير من دول المنطقة أمنياً وسياسيا ، وغياب وضعف التنسيق الأمني بين الدول الإفريقية، ارتفاع معدلات الفقر والفساد  واستثمار التنظيمات المسلحة في الوضع الإقتصادي المتردي لكثير من دول المنطقة والتعقيدات الاثنية وانقساماتها القبلية الواسعة في دول الساحل ماينعكس على الوضع السياسي والأمني، ويصبح أكثر عمقاً وعنفاً، كلما سيطرت ثنية معينة على السلطة، وفشلت في تحقيق العدالة وإشراك الاثنيات الأخرى في السلطة.

تمكن تنظيمي “داعش” و”القاعدة” من استغلال ضعف الحكومات و الانقلابات و الصراعات لتموقع في إفريقيا خاصة في منطقة الساحل والصحراء بعد الضربات القاصمة التي تلقياها في سوريا والعراق وأفغانستان، بعد سنوات من تفريخ الجماعات المسلحة، والإقتتال بينها ثم توحد عدد كبير منها في إطار استراتيجية “إعادة بناء القدرات”، بشكل أعاد صياغة “خارطة الإرهاب” في القارة السمراء.

كما كان تنظيم “داعش” قد وجد مدخلا له في منطقة القرن الإفريقي منذ 2015، بعد أن انحسر نشاطه في سوريا والعراق وتمكن أكثر من 5 آلاف من إرهابيي “داعش” من الفرار إلى إفريقيا.
ويتركز وجود “داعش” في عدد من الدول الإفريقية بينها الصومال وليبيا وحوض بحيرة تشاد ، وفي الساحل الإفريقي في مالي وبوركينا فاسو بالإضافة إلى الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، وخلايا نائمة في تونس والجزائر والمغرب.

وفي هذا التقرير،تستعرض جريدة “أروى بريس” أهم أنشطة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا، حيث بلغ عدد العمليات الإرهابية التي شنتها تلك التنظيمات (45) عملية ما بين تفجيرات واغتيالات، أسفرت عن سقوط (269) قتيلًا، و(183) جريحًا، وإعدام (19)، فضلًا عن (12) مختطفًا، بخلاف تشريد ونزوح المئات.

هذا وقد زادت وتيرة العمليات الإرهابية في شهر غشت مقارنة بعددها في شهر يوليوز المنصرم التي بلغت (39) عملية إرهابية، أسفرت عن مقتل (203)، وإصابة (103)، واختطاف (4) آخرين. كانت من بين الأسباب التي أدت إلى تلك الزيادة ثغرات أمنية في المناطق الحدودية التي تشهد صراعات والتي تتمثل في التدفقات غير المشروعة للأسلحة، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، والاتجار بالبشر، فضلًا عن تمدد نشاط شبكات الجريمة المنظمة العابر للحدود. وخلال الشهر جاء إقليم الساحل الإفريقي في المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات الإرهابية وعدد الضحايا؛ إذ شهد (16) هجومًا إرهابيًّا، أي بما يعادل (35.5 %) من إجمالي عدد العمليات الإرهابية التي نفذتها التنظيمات الإرهابية خلفت ورائها (125) قتيلًا، و(30) مصابًا، و(12) مختطفًا، حيث كان لـ “مالي” منها (9) عمليات إرهابية سقط على إثرها (81) شخصًا، وأصيب (25) آخرون، فضلًا عن اختطاف (12). وتعرضت “بوركينافاسو” التي ابتليت بهجمات إرهابية منذ عام 2015 لـ (7) عمليات أسفرت عن مقتل (44) شخصًا وإصابة (5). وهذا مؤشر يدل على أن الوضع لا يزال يزداد سوءًا، رغم الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب، ويؤكد أن تلك الجهود لا تتماشى مع تنامي ظاهرة الإرهاب في تلك المنطقة التي تعرف اختصارا بـ “جي 5” رغم ما يواجهه اليوم من مشاكل وانقسامات، إلا أنه يمثل إطارًا فعالًا لمواجهة العنف والإرهاب في منطقة الساحل. وتأتي منطقة شرق إفريقيا، في المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات الإرهابية؛ حيث شهدت (13) عملية إرهابية من بينها عملية اغتيال؛ أي بما يعادل (28.9 %) من إجمالي عدد العمليات الإرهابية في القارة خلال الشهر)، كانت جميعها في الصومال – حيث تزايد النشاط المسلح لحركة “الشباب” الإرهابية – والتي أسفرت عن مقتل (50) وإصابة (135)، وإعدام (19) آخرين. وتجدر الإشارة إلى أن منطقة شرق إفريقيا -متمثلة في الصومال بمفردها -كان لها نصيب الأسد في عدد المصابين، إذ جاءت في المرتبة الأولى بسقوط (135) مصابًا. كما تفردت بإعدام (19) مدنيًّا بتهمة التجسس للجهات التي تسعى إلى كبح جماحها.

ويعد أسلوب الإعدامات الجماعية تكتيكًا تتبعه الحركة الإرهابية عندما يشتد عليها الخناق من قبل الجيش الصومالي لنشر الرعب والهلع في صفوف السكان استباقًا لمنع تعاونهم مع الجيش الوطني، هذا من جهة، من جهة أخرى هي إستراتيجية تتبناها الحركة لاستقطاب الشباب ضمن صفوفها لسد العجز في عدد المقاتلين. بينما جاءت منطقة وسط إفريقيا في المرتبة الثالثة بسقوط (79) قتيلًا، و(15) جريحًا، نتيجة الهجمات الإرهابية لتنظيمي “داعش” و”بوكو حرام”، إذ شهدت (12) عملية إرهابية (26.7% من إجمالي عدد العمليات الإرهابية)، وجاءت “الكونغو الديمقراطية” التي تشهد ظروفًا محفوفة بالمخاطر على رأس دول المنطقة من حيث عدد الهجمات الإرهابية، حيث شهدت (10) هجمات إرهابية، أدت إلى مقتل (77)، وإصابة (15) بجراح، فيما تعرضت “تشاد” لعملية إرهابية واحدة لقي على إثرها شخصان مصرعهما، بينما تعرضت “الكاميرون” لهجوم أعزل وحيد دون وقوع خسائر بشرية جراء الهجوم.

ومن الملحوظ في هذا الشهر أن منطقة وسط إفريقيا شهدت توترًا في وتيرة العمليات الإرهابية مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، كما أن عملياتها الإرهابية كانت تقتصر فقط على “الكونغو الديمقراطية”، أما في هذا الشهر فقد شملت “تشاد” و”الكاميرون”، وهو ما يعكس تصاعد خطورة التنظيمات المتطرفة في المنطقة، في الوقت الذي حذر فيه خبراء من تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، في ظل استمرار الظروف التي تجعل من القارة السمراء بيئة خصبة لنمو التنظيمات المتطرفة بشكل عام.

أما منطقة غرب إفريقيا، وهي المنطقة المعروفة بكثافة نشاط وعمليات تنظيمات “داعش” و”بوكو حرام” الإرهابية، فقد تعرضت لـ (4) عمليات إرهابية بنسبة (8.9%) من عدد العمليات الإرهابية، تمركزت جميعها في “نيجيريا” وأسفرت عن سقوط (15) قتيلًا، وإصابة (3) آخرين.

أما من حيث جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا فقد بلغ عدد القتلى من العناصر الإرهابية (244) قتيلًا و(29) معتقلًا؛ إذ سددت القوات الحكومية الصومالية في منطقة شرق إفريقيا ضربات موجعة لحركة “الشباب” الإرهابية أسقطت (116) من عناصرها، واعتقلت (19) آخرين.

وقد سبق للأمم المتحدة أن حذرت من تصاعد الهجمات الإرهابية في منطقة غرب أفريقيا والساحل، وبحسب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في المنطقة، فإن معدل الهجمات الإرهابية ضد أهداف مدنية وعسكرية ارتفع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. وزادت الهجمات الإرهابية بمقدار خمسة أضعاف في بوركينا فاسو ومالي والنيجر منذ عام 2016.

وباتت منطقة الساحل وغرب إفريقيا مركزا لمنافسة شرسة متزايدة بين التشكيلات الموالية لـ “القاعدة” والجماعات المنتسبة لـ “داعش” بسبب انعدام سيطرة السلطات. وكشفت الدراسات وجود ترابط “متزايد بين الأنشطة الإجرامية التقليدية كالاتجار بالمخدرات والنفط والمهاجرين والاختطاف، والتنظيمات الإرهابية الناشطة في هذا المجال، بالتوازي مع الأفرقة التدريجية للجهاد وتحول مركز ثقل الإرهاب المتطرف إلى منطقة الساحل وغرب إفريقيا”.

ومن المتوقع أن المواجهات الأمنية مع التنظيمات الإرهابية في الساحل الإفريقي ستأخذ منعطفاً جديداً، لاسيما بعد التوسع والتمدد الجغرافي للتنظيمات الإرهابية بالساحل والصحراء وتنامي قدراتهم على التجنيد والاستقطاب.