Site icon أروى بريس – Aroapress – جريدة إلكترونية مستقلة تصدر من إسبانيا

“أوبك+” وحسابات السياسة والاقتصاد

 

أروى بريس /  د. سالم الكتبي

في وقت كان فيه مسؤولي إدارة الرئيس بايدن يكيلون الإتهامات لمنظمة “أوبك+” بالإنحياز لروسيا والإصطفاف إلى جانبها على خلفية قرار خفض إنتاج النفط بنحو مليوني برميل يومياً، خرج وزير الإقتصاد الألماني روبرت هابيك، متهماً الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي بتضخيم أسعار الغاز في السوق والمبالغة فيها، ونقلت صحيفة “دي فيلت” عن الوزير الألماني قوله: “بعض البلدان، بما في ذلك البلدان الصديقة، تتطلع لأسعار صاروخية (للغاز)، بالطبع مثل هذه الأسعار تترافق مع المشاكل، التي يجب أن نتحدث عنها”، وحث الوزير الألماني واشنطن وبروكسل للتعاون من أجل خفض أسعار الغاز في الأسواق، كذلك دعا بروكسل لضبط الدول الأوروبية وتفعيل آليات السوق اللازمة لمنع ارتفاع أسعار الوقود في الاتحاد الأوروبي.

لا نناقش هنا دوافع أي طرف في تحديد أسعار السلع سواء كانت نفطاً أو غازاً، ولكننا نلفت الانتباه إلى أن كل طرف في معادلة البيع والشراء يبحث عن مصالحه، فالمسألة برمتها ممارسة تجارية لها قواعد وحسابات وتهدف إلى تحقيق أرباح ومكاسب تستفيد منها الدول في تمويل موازناتها العامة وغير ذلك.

لم تذهب ألمانيا ـ مثلما فعل البيت الأبيض ـ إلى اتهام الجانب الأمريكي بالإنحياز لروسيا والاصطفاف إلى جانبها في الضغط على الشعب الألماني من خلال رفع أسعار الغاز الأمريكي! رغم أن هذا المسلك يعد نموذجاً للجشع والاستغلال الاقتصادي، الذي لا محل له في هذه الظروف ولاسيما بين دولتين حليفتين، ولا يقارن بحسابات أسواق النفط العالمية، التي تنطلق من اعتبارات العرض والطلب وتنظر إلى وضعية الأسواق على أمدية زمنية مختلفة.

بلاشك أن ردة الفعل الأمريكية تجاه قرار “أويك +” بشأن خفض إنتاج النفط يبدو مبالغ فيه إلى حد كبير، لأن نسبة الخفض الإنتاجي لا تهدف سوى إلى الحفاظ على معدلات أسعار معقولة بالنسبة للدول المنتجة والمصدرة، والأمر لا يتعلق بإنحيازات سياسية، لأن القرار لم يتخذ والأسعار مرتفعة، حيث يذكر الجميع أن سقف الأسعار قد بلغ 140 دولاراً للبرميل في ذروة الأزمة الأوكرانية، والكل يعلم أسباب هذا الارتفاع وقتذاك ولم تكن “أوبك” طرف فيما حدث بل الوضع الجيوسياسي العالمي.

شخصياً لا أدرى ما سر الربط بين إرتفاع أسعار النفط ومنحنى العلاقات السعودية ـ الأمريكية، ولماذا تريد واشنطن إرتهان هذه العلاقات لأسعار الطاقة، بمعنى أن الرياض عليها تقديم تنازلات كبرى تتعلق بمصالح الشعب السعودي وخطط التنمية في البلاد من أجل إرضاء الولايات المتحدة ودعم خططها وسياساتها تجاه روسيا؟

ماذا لو كان الصراع مع دولة أخرى غير روسيا ليست من بين كبار منتجي النفط هل كان الموقف الأمريكي سيتغير؟ الإجابة بالتأكيد هي لا، ولكننا كنا سنطالع إتهامات ومزاعم من نوع آخر تتناسب مع الظرف والمتغير، لأن واشنطن تدرك تماماً أن قرار “أوبك +” لا علاقة له بدعم موقف روسيا في الصراع الجيواستراتيجي المحتدم مع الغرب، وتدرك أيضاً أن الإستجابة لمطلبها بشأن ضخ المزيد من النفط وخفض الأسعار لا يصب في مصلحة دول المنظمة،  ولكنها تطالب بما لا يخضع للحسابات الاقتصادية والتجارية، وما لا تفعله هي نفسها مع الحليف الألماني الذي يعاني جراء إرتفاع أسعار الغاز ويمر بظروف لا تحتمل مطلقاً في المغالاة في توريد الغاز إليه، ولكن الولايات المتحدة لا تأبه لذلك رغم أن الظرف وقتي وتوريد الغاز لألمانيا مسألة ظرفية فرضتها الظروف، ولا تتعلق بوضعية منظمة دولية تريد الحفاظ على مكانتها في الأسواق الدولية، ناهيك عن أن أسعار النفط لم تحلق بعد إلى المستويات التي يمكن اعتبارها مغالاة في الأسعار، علاوة على أن العامل الاهم في أسواق النفط ليس الأسعار فقط بل ضمان الإمدادات أيضاً، وهي المسألة التي تعامل بشكل جاد وصارم للغاية من جانب الدول الرئيسية المنتجة للنفط، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون.

الدوائر السياسية الأمريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام، تتهم روسيا باستخدام الغاز سلاحاً في الصراع الدائر بشأن أوكرانيا، وهذه الدول هي نفسها التي تزج بالنفط في ساحة السياسة حين تتهم الدول المنتجة والمصدرة في “أوبك+” باتخاذ قرار تعتبره بعض الأوساط السياسية الأمريكية “عملاً عدائياً” ضد الولايات المتحدة،  وتتهم دول المنظمة بالتسبب في تباطىء نمو الاقتصاد العالمي، رغم أن الكل يعرف الأسباب الحقيقة للأزمة التي يعانيها العالم حالياً، وهي ذاتها الأسباب والتداعيات التي تقف وراء قرار خفض إنتاج النفط بسبب تراجع الطلب جراء الظروف الإقتصادية العالمية وحماية إيرادات الدول المصدرة، التي تعتمد بشكل كبير على المداخيل النفطية في تمويل ميزانياتها.

بالتأكيد أن الولايات المتحدة تتصرف في أمور دولية كثيرة بشكل بعيد عن العقلانية، فنراها تضغط باتجاه تحديد سقف لأسعار النفط الروسي لحرمان موسكو من الإستفادة بالأسعار المرتفعة للنفط، وفي الوقت ذاته تغضب حين تتحرك الدول المصدرة للحفاظ على حد أدنى لأسعار النفط في مواجهة ركود محتمل في الأسواق الرئيسية المستوردة للنفط، ولا يجب أن نغفل هنا أن الدول المنتجة طالما تحملت ظروف سوقية سابقة كان فيها تدهوراً كبيراً للأسعار، التي لا مست العشرة دولارات قبل سنوات قلائل مضت، ومن ثم فإن تحركها للحفاظ على مستويات الأسعار في حدود معقولة لا يبدو مستغرباً إذا تجنب المرء فكر المؤامرة وغلّب المنطق والموضوعية في معايرة الأمر كله.