حسين سبع عبد الرازق معلم خبير مصري
هيأ الله اللغة العربية لاستقبال كتابه الخالد، عبر قرون من الزمن امتطى فيها اللسان العربى صهوة اللغة، وراح يطوف بها ربوع الجزيرة العربية؛ مسطرا تاريخها الخالد من خلال فني الشعر والنثر، فاكتنزت السليقة العربية ذخائر الألفاظ، ودرر المعاني، وبديع الاشتقاقات، وجواهر المترادفات ولآلئ المفردات؛ ليأتي اليوم الذي تتوج فيه العربية تاج الخلود، وتلبس حلل الأبهة حين شرفت بمنطق الوحي الإلهي حاملة لواء العز، وراية المجد طيعة لمعاني الذكر الحكيم هينة لينة لصور البيان القرآني سريعة الامتثال للنظم الفريد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه متفوقة على سائر اللغات بتلك النفحة، وهذه المنحة، ولم تقف عند هذا فحسب، بل بسطت رداءها لكل مستجدات العصور متقلدة وشاح الجلال، كفتاة سليلة الحسب والنسب؛ مفتخرة بظواهرها محتفية بمعانيها متباهية بخصائصها، فأذعنت لها لغات العالم مادة يديها تستجديها بعض المفردات والظواهر والخصائص؛ لتكمل مسيرتها بجوارها؛ ففاض خيرها على سائر اللغات أخذا وعطاء، وكم من لغة أكبها الزمان على وجهها، فلم تقم لها قامة، ولربما قامت متبعثرة؛ لتؤول إلى لغات متفرقة تباينت ألفاظها وتراكيبها، ومن ثم معانيها، ونطق حروفها على عكس ما تعرضت له العربية من محن وامتحانات كانت سببا في جمع شملها، وتماسك صلبها؛ فتعددت لهجاتها، واتسعت مفرداتها على أسس تجمعها.وهي.وحدة حروفها، وجمال نطقها وتناسب معانيها، وتناسق أساليبها.
قد تختلف اللهجات وتظل الفصحى بسلطانها جامعة كل اللهجات يتحدثها الجميع، فلا يخطئ الفهم من يخاطب بها معلنة سيادة الفصحى، وقد تبارى علماء اللغات في الكشف عن أسرار العربية ومزاياها؛ فجادت قرائحهم بما لا حصر له من المؤلفات، وتسامت قدراتها لتتجاوز كل المحن؛ لأنها مستندة إلى بنيان متين محفوظة بحفظه إذ يقول ربنا: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقد تناولها علماء الغرب معلنين استشراقهم بحثا عن جواهرها، وغوصا في أعماقها ليرتشفوا من معينها، فهي لغة فكر، وأداة حس، ومعين ذوق أعيت من يكابدها لاتساع شواطئها، وغور أعماقها حتى انبرى مجلس الأمم المتحدة( اليونيسكو) ليعلن أن اللغة العربية لغة رسمية لدى الأمم المتحدة وذلك في يوم تزيا فيه الوجود ليعلن عن عيد الاحتفال باللغة العربية الفصحى في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام، فما أعظمها من لغة! وأكرم بأبنائها! يقول حافظ إبراهيم :
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
هذا وقد رسمت العربية طريقًا فريدًا من نوعه، حيث تميزت بالأسلوب المجازي الذي لم تحزه لغة غيرها، فطوعت به الجماد لأن يكون كائنًا حيا، والمعنوي لأن يكون حسيًّا ، وسمحت للخيال أن يحلق في سماء المعاني ليكسو الصور حللًا من الجمال تروق له النفس ويترك في الوجدان أثرًا يظل عالقًا في الذهن فتحية للغة العربية في يوم عيدها.