Site icon أروى بريس – Aroapress – جريدة إلكترونية مستقلة تصدر من إسبانيا

من ديبلومَاسية دفتَر الشِّيكات إلى ديبلوماسية المُفَرْقَعات :  السياسة الخارجية الجزائرية أسَاس العَطَب الإقليمي

بقلم : البَرَّاق شادي عبد السلام 
 سحب جواز السفر الديبلوماسي : ممارسة بومدينية 
 
” الديمقراطية التي تحتاج إلى الدبابة لحمايتها هي ديمقراطية مريضة ” قالها الكبير جدا على “أقزام الجزائر الجديدة ”  المجاهد عبد الحميد مهري أحد الرجال المحترمين في الثورة الجزائرية و أحد قيادات جبهة التحرير الجزائري التي تحظى بإحترام و تقدير كبير من الشعب الجزائري بسبب مواقفه التاريخية المناوئة و الرافضة للإنقلاب العسكري و السياسات الدموية التي تورط فيها جنرالات نظام العسكرتاري البومديني في  مذابح العشرية السوداء الدموية ، هذه المواقف الوطنية الصادقة و الواضحة و العقلانية كلفته الكثير من التضييق و الإيذاء ، بدءا بمؤامرة للإطاحة به من قيادة جبهة التحرير الجزائرية،  تورط في التخطيط لها جنرالات العشرية السوداء البارزين كالجنرال محمد بتشين و الجنرال محمد العماري والجنرال محمد مدين المكنى بالتوفيق و الكولونيل سعيد عبادو بتنفيذ بئيس من طرف العديد من الوجوه المرفوضة شعبيا و تاريخيا في الجزائر كعمار بن عودة و عمار زقرار و محمد مجاهد و محمد عليوي وعبد القادر حجار وعبد الرحمان بلعياط وعلي صديقي و علي بن فليس و مولود حمروش و عبد العزيز بلخادم و علي كافي و عبد الرزاق بوحارة و رئيس البرلمان الجزائري الحالي صالح قوجيل ؛  متاعب الراحل عبد الحميد المهري لن تنتهي بالإطاحة به و الإنقلاب عليه في يناير 1996 في ” المؤامرة العلمية ” نتيجة لمواقفه الرافضة لسياسات جنرالات الجيش في تدبير الصراع الدموي بسبب الإنقلاب على شرعية الصناديق الإنتخابية التي تسببت في دخول البلاد في متاهات مذابح العشرية السوداء الرهيبة بل ستأخذ أبعادا أخرى ..
قبلها بسنوات تم إستدعاء الرجل كوجه سياسي نظيف بتاريخ نضالي طهراني لقيادة الحزب الحاكم جبهة التحرير الجزائرية بعد الصدمة الكبرى التي تعرض لها النظام العسكرتاري في أحداث إنتفاضة أكتوبر 1988 و التي عرفت أحداث عنف و عملية قمع ممنهج من طرف الجيش و حرق مقرات الحزب الحاكم في مختلف ولايات و مدن الجزائر ،تعيين الرجل في منصب قائد حزب الدولة كان أحد القرارت التي إتخذها نظام الشاذلي بن جديد لإحتواء الوضع السياسي والإجتماعي في ما  سمي بالديمقراطية التنفيسية و السعي لإجراء إصلاحات سياسية تفضي إلى تعددية سياسية و نقابية و حرية الصحافة.
عبد الحميد مهري.. زعيم حاول أن يبتعد  بالحزب الحاكم عن السلطة في الجزائر
عبد الحميد مهري.. زعيم حاول أن يبتعد  بالحزب الحاكم عن السلطة في الجزائر
بالعودة إلى قصة الحكيم عبد الحميد مهري في فقد تعرض لحملة تخوين كبرى و عملية قتل رمزي واسعة لرغبته في حقن دماء الجزائريين وإقتراحه و مشاركته في التفكير بحل سلمي و سياسي لوقف حمام دم العشرية السوداء  حيث إبتعد بالحزب عن سياسات الدولة لتصل جرأته السياسية إلى رفضه إعلان دعم الحزب التاريخي في الجزائر  لمرشح الجيش للرئاسة لیامین زروال حيث تم سحب جواز سفره الديبلوماسي من طرف وزير الخارجية الجزائري آنذاك و الحالي أحمد عطاف بأوامر من جنرالات  الجيش كما صرح أحمد عطاف في لقاء صحفي بوقت لاحق .
مأساة الراحل عبد الحميد مهري لن تنتهي هنا فسيمنع مرة أخرى من جوازه سفره الديبلوماسي الذي هو حقه الدستوري بقانون لتاريخه السياسي و الديبلوماسي كوزير في الحكومة المؤقتة لثورة التحرير ثم كسفير سابق في باريس و الرباط و يمنع هو و زوجته المصابة بالسرطان من مغادرة التراب الجزائري حيث أن  مصاريف العلاج الباهظة
 إضطرته لبيع سيارته و قبول مساعات من أفراد بالجالية المغاربية في فرنسا ؛ لمكر التاريخ إنتهت حكاية الكبير عبد الحميد مهري بجنازة شعبية كبيرة بحضور جماهيري غفير و بمعايير رئاسية ينقصها البروتكول فقط و دفن في مقبرة مع عموم الشعب و هي السنة التي ماتت فيها الفنانة وردة رحمها الله  ودفنت في مقبرة الشهداء بحضور رئاسي و كبار رجالات الدولة.
نفس الممارسة التي تعرض لها المرحوم عبد الحميد مهري، حين سحب منه جواز السفر الدبلوماسي من طرف وزير الخارجية أحمد عطاف ، تعرض لها المرحوم الأمين دباغين وزير خارجية الحكومة الجزائرية المؤقتة في خمسينات القرن الماضي الذي إشتكى في حياته من عدم تمكنه من جواز السفر الدبلوماسي في عهد بوتفليقة كوزير خارجية ، و في سنة 2023 التاريخ يعيد نفسه حيث تطالعنا الصحف و المواقع نقلا عن مصادر داخل النظام الجزائري بأن وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة لم يتمكن من سحب جواز السفر الديبلوماسي الخاص به و ممنوع من مغادرة التراب الجزائري في ظل إقامة إجبارية لا تتجاوز الحدود و هي الممارسة العادية جدا في ظل نظام شمولي يبني شرعية حكمه على نظرية المؤامرة الخارجية و العدو الخارجي و يستمد منها أسباب إستمراره في حكم الشعب الجزائري و تبديد ثرواته في صفقات تسليح غبية بدل إستخدام أموال الشعب في تنزيل إستراتيجيات تنموية فاعلة .
النظام العسكرتاري الشمولي الجزائري اليوم يراهن على إستمرار عبد المجيد تبون لولاية ثانية ما بعد 2024 لذلك فالملاحظ إستمرار  عمليات  تكسير العظم الممنهجة داخل أجنحة النظام فسحب جواز السفر الديبلوماسي لرمطان لعمامرة يدخل في سياق التحضير لإنتخابات 2024 و إخلاء الساحة أمام مرشح وحيد للجنرالات هو عبد المجيد تبون بقدراته السياسية المتواضعة جدا .
نزول الجيش في إنتفاضة أكتوبر 1988 بالجزائر

العقيدة الديبلوماسية الجزائرية:من التيه الإيديولوجي إلى التيه الجيوسياسي 

 لا يختلف إثنان على أن السياسة الخارجية الجزائرية تتعرض لإنتكاسات ديبلوماسية و سياسية متواترة و متتالية في جميع الدوائر التي تشتغل عليها  نتيجة فقدان صانع القرار الديبلوماسي للرؤية المتبصرة و الواقعية التي تحدد مسارات تفاعلات السياسة الخارجية مع الملفات  الإقليمية بسبب إرتهانها للرغبات النفسية ل “مقيم المرادية” و مشغليه من جنرالات النظام العسكرتاري المصابين بالذهان المرضي ( المغرب فوبيا )  ، حيث تصاعدت حدة صراع الأجنحة داخل النظام النيوباترمونيالي الجزائري خاصة بعد الرجة الكبرى التي تعرض لها نتيجة الحراك الشعبي و التغييرات التي إضطر النظام إجراءها مؤخرا على هيكل السلطة من خلال إنقلابات و تصفيات قطاعية في مختلف مستويات الجهاز البيروقراطي و العسكري للدولة هذا الصراع إنعكس على مؤسسة الخارجية و جهازها البيروقراطي حيث عرفت وزارة الخارجية تغيرات جوهرية بداية بتغيير الإسم من وزارة الخارجية إلى وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج  تم  إنهاء مهام 16 مسؤولا في وزارة الخارجية الجزائرية لتكليفهم بوظائف أخرى .
وإلى جانب ذلك، وبموجب مراسيم رئاسية أخرى، تمّ تعيين عدد من المسؤولين الجدد في وزارة الشؤون الخارجية، قبل أن يأتي المستجد الحالي بإعفاء رمطان العمامرة من منصب وزير الخارجية و تطويع الأمين العام السابق للوزارة عمار بلاني كسفير في أنقرة و إستدعاء أحمد عطاف أحد وجوه العشرية السوداء و صاحب المواقف الكلاسيكية و النمطية في تدبير الملفات الخارجية للجزائر و التي تتماهي مع الرؤية العنيفة و التصادمية للجنرال السعيد شنقريحة و السلوك الإندفاعي  للرئيس عبد المجيد تبون المفتقر للثبات الإنفعالي و الوقار المفترض في تصريحات و تصرفات رئيس دولة من حجم الجزائر.
 إنقلاب الجيش الجزائري على الرئيس الشاذلي بن جديد 
الديبلوماسية الجزائرية ظلت لعقود و لازالت تفتقر للجانب المهني في إختيار السفراء و توزيع المهام الديبلوماسية  فمختلف الشخصيات التي تولت مهام ديبلوماسية لتمثيل الجزائر هي شخصيات ذات فكر تقليدي ينهل من الفكر البومديني المتهالك فغالبا ما يتم إختيارها من قدماء المحاربين في الثورة الجزائرية أو الوزاراء المقالين على خلفية فضائح مالية أو إدارية أو شخصيات في هرم السلطة المغضوب عليها و المبعدة من العمل السياسي أو في إطار ترضيات حزبية أو بيروقراطية ، لكن النقطة الجامعة بين هؤلاء هي أن هذه البروفيلات  تنقصها الخبرة و الحنكة الديبلوماسية و غير مثقفة ثقافة عصرية و متشبعة بروح فرنسية غارقة في النمطية و غير مدركة لدورها الديبلوماسي و لرسالتها السياسية ، هذا الوضع الذي أثر على الخط التحريري للدبلوماسية الجزائرية وجعلها تفتقد إلى الوضوح و الفهم الدقيق لمتطلبات المرحلة فالملاحظ أنها توجد في حالة من التيه الدبلوماسي بسبب الإرتجال والتسرع والخضوع للتجاذبات السياسية و العسكرية التي تتدخل في صياغة المواقف الدييبلوماسية للجزائر .
النظام الجزائري اليوم يحاول إعادة صياغة العقيدة الديبلوماسية الجزائرية بما يتناسب و خططه التوسعية البومدينية على حساب محيطه الإقليمي بالإستغلال البشع و الرديئ للقضية الفلسطينية و محاولة ربطها بنزاع مفتعل الهدف الأساسي من وراءه هو  التدخل في الملفات الإقليمية و تقديم الجزائر كعاصمة للوساطات الملغومة التي يبقى هدفها المستتر هو التدخل الجائر في سياسات دول الجوار .
ديبلوماسية دفتر الشيكات : عنوان فشل الديبلوماسية الجزائرية 
ظلت ديبلوماسية دفتر الشيكات ( بالمعنى السلبي ) و عمليات شراء الذمم عنوانا بارزا للسياسة الخارجية الجزائرية في إطار سياسة ممنهحة للنظام العسكرتاري لتبديد مقدرات الشعب الجزائري في تمويل حملات تضليل و سياسات تسليح و إفتعال معارك سياسية إقليمية بغية تحقيق الأحلام البومدينية بالهيمنة الأقليمية و السيادة الجهوية و السيطرة على مقدرات الشعوب المغاربية و الإستحواذ على ثروات دولها ؛ أهم هذه المعارك الديبلوماسية و العسكرية و أطولها و أكثرها إضرارا بمستقبل شعوب المنطقة هو الصراع المفتعل مع المملكة المغربية و معاكسة طموحاتها في إستكمال وحدتها الترابية والإضرار بأمنها القومي بالعمل على مشروع  تقسيمها و شن حرب مجنونة ضد جيشها طوال عقدي السبعينات و الثمانينات و هي المرحلة التي صرفت فيها الجزائر مئات مليارات الدولارات من أجل تسليح و تدريب ميليشيات إرهابية تستهدف المصالح العليا للشعب المغربي رغم تغليف هذه السياسة بشعارات دعم حركات التحرر و الإستقلال و الركمجة على القضية الفلسطينية و قضايا الشعوب المستضعفة فقد ظلت الديبلوماسية الجزائرية رهينة العلاقات الشخصية للهواري بومدين و وزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة مع زعماء و قادة العالم الثالث في إطار تجمع دول عدم الإنحياز و الكتلة الشرقية حيث سرعان ما إنطفأت شعلة الديبلوماسية الجزائرية مع موت الأول و إبعاد الثاني من مربع الحكم بعد تولي الشاذلي بن جديد رئاسة الجزائر.
بوتفليقة وزير الخارجية الجزائري و هنري كيسنجر عراب الديبلوماسية الأمريكية
في بداية الثمانينات و مع إنسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية و نجاح النظام الجزائري و حلفاءه في إستحواذ جمهورية الوهم بتندوف العضوية الكاملة في المنظمة القارية عادت مرة أخرى الديبلوماسية الجزائرية إلى سلوكها المعتاد في تبديد مداخيل الشعب الجزائري لترسيخ وجود الميليشيا الإنفصالية في أجهزة المنظمة القارية و العمل على فتح تمثيليات لها في مختلف عواصم القارة الإفريقية عن طريق شراء الذمم و دفع الرشاوى للأنظمة الإفريقية لإنتزاع إعترافها بالميليشيا الأنفصالية و دولتها المزعومة ، سرعان ما تهاوى هذا النهج مع دخول الجزائر في صراع داخلي حول السلطة بين أجنحة الحكم وتوقيع إتفاق وقف إطلاق النار في حرب الصحراء و التغيرات الجيوسياسية الكبرى التي عرفها العالم نتيجة إنهيار المنظومة الإشتراكية بسقوط الإتحاد السوفياتي و إقتناع المنظومة الدولية بإستحالة إستحداث كيان سياسي جديد في جنوب المغرب و إنهيار دفوعات الطرح الإنفصالي السريالية مع واقعية و متانة منهجية الديبلوماسية  المغربية في بداية القرن الواحد و العشرين التي إنتهت بعزلة دولية للنظام الجزائري و رفض دولي واسع النطاق لصنيعتها في تندوف .
في بداية العقد الثاني من القرن الحالي و مع التغيرات المهمة التي فرضها المغرب على قانون اللعبة الإقليمية بطرحه لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية بإعتباره الحل الأساس و الواقعي و السلمي و السياسي و التفاوضي للنزاع المحتمل مع فشل و رفض  المبادرات التقسيمية التي روجتها الجزائر و عملاءها في مجلس الأمن ، إضطر بوتفليقة و معه جنرالات النظام إلى إجراء تغييرات واسعة في الأجهزة الديبلوماسية الجزائرية حيث تم تعيين رجل التوافقات الديبلوماسية في عهد بوتفليقة مراد مدلسي في منصب وزير الخارجية و الذي سبق أن تقلد مناصب في النظام كمستشار لدى الرئاسة و وزيرا للتجارة و المالية ، لتقوم  الجزائر في عهده بتبريد الجبهات الإقليمية الساخنة و إدارة موجات الخريف العربي العاتية بما يخدم مصالح النظام الجزائري خاصة بعد تساقط أنظمة مجاورة كنظام بن علي في تونس و نظام القذافي في ليبيا ؛ في بداية 2013 و كنتيجة للعديد من المتغيرات الإقليمية تمت إعادة هيكلة النظام الجزائري بما يخدم مصالح العصابة الحاكمة المتمثلة في أخ الرئيس بوتفليقة السعيد بوتفليقة و باقي جنرالات العشرية السوداء حيث تم تعيين أحد أكبر العناصر المتشبعة بالفكر البومديني التوسعي في جهاز الديبلوماسية الجزائري الوزير رمطان لعمامرة في منصب قائد الجناح الديبلوماسي للعصابة وفق إستراتيجية إستخدام مداخيل الغاز الجزائري  من أجل شراء المواقف و الولاءات خدمة للأجندات التوسعية الإقليمية للنظام العسكرتاري الجزائري و الحفاظ على الإستقرار الإقليمي و معه الإستقرار الداخلي للنظام حيث كانت أول القرارات التي إتخذها لعمامرة كوزير للخارجية هو شطب الجزائر لديون 14 دولة إفريقية بقيمة 902 مليون دولار في تفعيل فج لديبلوماسية دفتر الشيكات تحت غطاء التضامن بين الشعوب و خدمة القارة الإفريقية في محاولة غبية ل لعب دور إقليمي و قاري على حساب شعوب القارة الإفريقية .
اللافت في الأمر أنه بعد  2013 أصبحت الخارجية الجزائرية مجالا مفتوحا للصراع بين أجنحة النظام الجزائري المتصارعة سواء التيار المدني البيروقراطي المتمثل في أخ الرئيس السعيد بوتفليقة  و الجنرال توفيق مدين و شكيب خليل و عمار سعيداني و علي حداد  و أحمد أويحيى و عبد المالك سلال و باقي أفراد العصابة التي إستغلت مرض و عجز الرئيس لإختطاف الدولة و تحجيم دور الجناح العسكري ممثلا في جنرالات الجيش كالجنرال العماري و خلفه قايد صالح و باقي قيادات الجيش و المخابرات العسكرية كالبشير طرطاق قائد المخابرات العسكرية (دائرة الإستعلام و الأمن) وآخرين .
السعيد بوتفليقة أحد أبرز وجوه العصابة التي إنتفص ضدها الشعب الجزائري
 رغم تغير الوجوه الديبلوماسية كتعيين عبد القادر مساهل خلفا لرمطان لعمامرة ثم إعادة لعمامرة لمدة 20 يوما كوزير للخارجية في مارس 2019  ليخلفه صبري بوقادوم ثم إعادة رمطان لعمامرة مرة أخرى كوزير لتتم إقالته بشكل مهين و سحب جواز سفره الديبلوماسي من طرف ديبلوماسي آخر  متطرف في مواقفه إزاء القضايا الإقليمية هو أحمد عطاف و رغم عمليات إعادة الإنتشار الواسعة التي يقوم بها النظام لعناصر الديبلوماسية الخارجية فالمتفق عليه أن الديبلوماسية الجزائرية تعاني من تداعيات الصراع القائم حاليا في مربع الحكم و آداءها يتأثر بالسياسة الإنفعالية لرئيس الدولة و لقائد الجيش في غياب إستراتيجية بنفس ديبلوماسي هادئ و رصين قادرة على وضع تصور سياسي و إستراتيجية واضحة المعالم فإن الدور الدور الديبلوماسي الجزائري في المنطقة تعدى حالة التدخلات العادية إلى التدخل في شؤون دول الجوار و فرض الوصاية الإقليمية عليها  مثل تمويل الانقلابات العسكرية و فرض الخطوط الحمراء كخط طرابلس الوهمي فضلًا عن الرشاوى التي تقدمها لمؤسسات وأشخاص للتآمر على بلدهم بتمويل حملات تضليل و فبركة الأخبار و الملفات الأمنية الهيتشكوكية وأيضًا محاولة تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية فيها بخلق إضطرابات لزعزعة نظم مستقرة أو شراء ذمم وولاءات على نطاق واسع.
ديبلوماسية المفرقعات : إستراتيجية جديدة لتغطية الهزائم الميدانية و السياسية للنظام العسكرتاري 
 
لمفاعيل الحراك الشعبي في الجزائر إرتدادات إقليمية كبرى حيث إقتنع العقل السياسي و العسكري الجزائري بشكل مرضي بوجود مؤامرة تستهدف أمنه و إستقراره بدل رؤية وجهه البشع في المرآة كنظام إختطف الدولة الجزائرية و مقدراتها و ثرواتها من أجل تبديدها في صراعات إقليمية و خطط توسعية عبثية.
فبدل الإنكباب على معالجة الأسباب الذاتية و الموضوعية لقيام الحراك الشعبي السلمي و العمل على إقرار نظام مدني ديمقراطي يعيد الجيش إلى ثكناته للقيام بواجبه المهني في حماية الأرض و الحفاظ على الحدود الوطنية ؛  جنرالات الجيش كان لهم رأي آخر بالإستمرار في العبث بالمشهد السياسي بالجزائر و التلاعب بمستقبل و مقدرات  الشعب الجزائري و تهديد إستقرار المنطقة بإفتعال مواجهة إقليمية كبرى مع دول مجاورة .
داخليا شكلت أحداث الحراك الشعبي فرصة أمام الجيش لتصفية حساباته مع الجناح المدني في دائرة الرئيس المقعد و العاجز عن القيام بدروه الدستوري و إعادة السيطرة على الحياة السياسية و الإقتصادية في الدولة بإستثمار الفكر البومديني المتقادم خارج السياق الإقليمي و العالمي و الترويج لنظرية المؤامرة الخارجية و الإستهداف الإقليمي للجزائر .
إستثمار نتائج الحراك الشعبي في إعادة صياغة السياسة الداخلية و الخارجية للجزائر تم من خلال رؤية ضيقة لفئة داخل الدولة تحن إلى مقاربة الدولة الشمولية المسيطرة على الوضع الداخلي و المهيمنة على الجوار الإقليمي بإستعراض القوة العسكرية و تغذية الصراعات الإقليمية و دعم و تدريب الحركات الإنفصالية و الإرهابية.
الحراك الشعبي الجزائري حسم الصراع في الجزائر لصالح الجيش 
 كانت أولى القرارات التي إتخذها النظام العسكرتاري في “جمهورية ما بعد الحراك ” هو تعيين صبري بوقادوم في منصب وزير الخارجية لضبط أجهزة الديبلوماسية الجزائرية و أمننتها وفق مخطط لجعلها جهازا تابعا للجيش منفذا لمخططاته الإقليمية، بدل وضعها السابق كساحة للتنافس بين القوى المتصارعة داخل مربع الحكم حيث تم إستدعاء صبري بوقادوم كأحد العناصر الأكثر إرتباطا بالنظام العسكرتاري في الجزائر لوضع خارطة طريق تضمن عودة الجزائر من باب الديبلوماسية لكي تلعب أدوارا إستراتيجية في محيطها بإعادة ترتيب الأوراق الإقليمية بما يتناسب و طموحاتها البومدينة ، خطط صبري بوقادوم لإعادة الديبلوماسية إلى مسارها الصحيح إصطدم بالسلوك الإنفعالي للنظام الجزائري الذي أفقده ثقة الشركاء الإقليميين و كل محاولات التدخل في الملفات الإقليمية كانت فاشلة أو غير ذات جدوى فالجزائر سابقا و حاليا لا تمتلك آليات إستراتيجية ناجعة لحلحلة الأزمة الليبية بسبب حالة العزلة الديبلوماسية التي تعيشها مع دول الجوار بشكل خاص مع مصر بسبب التهديد بفرض خط أمني جزائري وهمي في ليبيا الذي يقابل الخط الأحمر المصري ( سرت – الجفرة ) و إعلان الرئيس الجزائري رفض إقتراب القوات المتحاربة من العاصمة طرابلس أو تعرضها للخطر و عزمه على التدخل العسكري لمنع سقوط طرابلس في يد قوات حفتر كمؤشر على أطماع جزائرية واضحة فوق التراب الليبي ثم  التقارب الأثيوبي/ الجزائري حول ملف سد النهضة و كذلك في جمهورية النيجر الذي عرفت تدخلا جزائريا في إنتخاباتها وتشاد التي تعيش مرحلة إنتقالية بعد مقتل رئيسها إدريس ديبي على يد ميليشيات جبهة التغيير والوفاق في تشاد القريبة من ميليشيات عسكرية لديها مصالح مع الجزائر في ليبيا و رفض الجنرال محمد كاكا رئيس المجلس الإنتقالي لأي وساطة دولية خاصة الوساطة الجزائرية و في دولة مالي الذي تعيش هي الأخرى مرحلة إنتقالية بعد إنقلاب الكولونيل أسيمي غويتا و جنوحه للحفاظ على إستقلال القرار السيادي المالي عن الجزائر بإستقدام قوات من أطراف دولية خاصة و إستعانته بشركات أمنية روسية لتدريب قواته بعد إنسحاب  القوات الفرنسية و
 إنهاء عملية برخان في مالي في تونس تم إستباحة المؤسسات السيادية التونسية و فرض وصاية جزائرية كاملة على الدولة التونسية و دفعها لإستقبال شخصيات غير مرغوبة إقليميا متابعة بجرائم حرب .
في ملف الصحراء المغربية و هو الملف الأكثر أهمية لدى النظام العسكرتاري في الجزائر العاصمة فمحاولة النظام الجزائري تسخين جبهات الصراع و إدخال المغرب في صراع إقليمي كان مآله الفشل الذريع إزاء النجاح الكبير الذي حققه المغرب في ملف الوحدة الترابية ميدانيا بتأمين معبر الكركرات الحدودي الدولي و طرد ميليشيا البوليساريو الأرهابية من المنطقة العازلة شرق الجدار الأمني حيث تم ضبط الأمن الإقليمي وفق معادلة جيوسياسية دقيقة واضحة المعالم عنوانها الأبرز ” السيادة المغربية خط أحمر “ ديبلوماسيا إستطاع المغرب وضع تصور جديد لعلاقة العالم بالأقاليم الجنوبية عن طريق نهج ” ديبلوماسية القنصليات “التي وفرت التغطية السياسية للمقاربة المغربية الشاملة في التعاطي مع ملف الوحدة الترابية .
ديبلوماسية المفرقعات الجزائرية هاته إستمرت بشكل أكثر تركيزا مع التغيير الذي عرفته هياكل وزارة الخارجية على يد الجنرالات بعد تولي عبد المجيد تبون حيث تم إستبعاد صبري بوقادوم رجل ثقة عبد المجبد تبون بضغط من جنرالات الجيش و إستدعاء رمطان لعمامرة لتولي حقيبة الخارجية لخلق توازن داخل مربع الحكم ولإبعادها على وصاية الجناح المدني في قصر المرادية بقيادة عبد المجيد تبون و مقربيه لصالح دوائر عسكرية مقربة للجنرال السعيد شنقريحة .
نظام قيس سعيد في تونس أصبح رهينة لديبلوماسية الشيكات الجزائرية 
لكن الرياح الديبلوماسية الإقليمية و الدولية تسير بما لا تشتهي سفن جنرالات النظام العسكرتاري الشمولي الجزائري حيث حصدت الديبلوماسية الجزائرية هزائم ميدانية متتالية في العديد من الملفات الإقليمية سواء في تدبير الأزمة المفتعلة مع إسبانيا أو الأزمة مع الفرنسيين أو مع الإتحاد الاووربي بشكل شمولي بالإضافة لحالة التخبط التي تعرفه الديبلوماسية الجزائرية في مواقفها من الملف الليبي و باقي الملفات الإقليمية فقد إعتمد  النظام الجزائري في الآونة الآخيرة على تسويق “مفرقعات ديبلوماسية ” على شكل إنتصارات ديبلوماسية سواء مشاركة ميليشيا البوليساريو في قمة تيكاد 8 بتونس أو علاقات المصالح مع إيطاليا أو التسويق لإتفاقات وهمية مع البرتغال أو التطبيل لقرار عادي بحجز مقعد عضو غير دائم في مجلس الأمن لسنتين كانه إنتصار سياسي ” على محاولات قوى إقليمية عزل الجزائر ” حسب تصريحات من داخل النظام .
وضعية الهذيان الديبلوماسي التي تعاني منه الخارجية الجزائرية فرضت على صانع القرار في قصر المرادية إجراء تعديلات في الجهاز البيروقراطي لوزارة الخارجية بإستدعاء أحد وجوه العشرية السوداء الوزير السابق في الشؤون الخارجية تسعينيات القرن الماضي أحمد عطاف في منصب الوزير الوصي على القطاع بدل رمطان لعمامرة مع العمل على تفكيك شبكة لعمامرة في وزارة الخارجية بإبعاد عمر بلاني المسؤول الأول على ملف البوليساريو في الخارجية و الأمين العام السابق لوزارة الخارجية في منصب سفير  للجزائر في أنقرة و الإعداد لإعادة إنتشار واسعة للعناصر البشرية في وزارية الخارجية .
وجود أحمد عطاف في منصب وزير الخارجية ينبئ بتصلب أكثر في المواقف الخارجية للجزائر و لعلاقاتها الدولية مع دول الجوار فالرجل بقدراته التفاوضية المتواضعة و فهمه الأمني الصرف للإشكالات الإقليمية قد يكون له نتائج وخيمة على ردود الافعال المرتقبة للنظام الجزائري في العديد من القضايا الإقليمية و الدولية .
السياسة الخارجية للجزائر : أساس العطب الإقليمي  
 
لقد كانت لجائحة كورونا تداعيات مدمرة على الإقتصاد العالمي كما أن إنعاكاسات الحرب الأوكرانية على التوازنات الدولية فرضت على كما أن طبيعة الأحداث الإقليمية المتسارعة و المتقاطعة المصالح بين مختلف القوى الفاعلة في فضاء جغرافي يعرف العديد من المخاطر و في الوقت الذي ينتظر فيه العالم حلولا نابعة من القوى الإقلبمية للإشكالات الإقليمية كما هو حال التوجهات الديبلوماسية المغربية التي تسعى من خلال سياسة ديبلوماسية واضجة التوجهات إلى تأسيس مناخ سياسي مساعد لحل الازمة الليبية بعيدا على المقاربات النمطية  لبعض دول المنطقة ، نجد أن الديبلوماسية الجزائرية لازالت تتناول الإشكالات الإقليمية بمقاربة كلاسيكية و تحدد طبيعة تفاعلها على أساس تقدير موقف متجاوز لا يتناسب مع الجهود المفروض وجودها  لصياغة رؤية إستراتيجية مناسبة تجاه التفاعلات والسلوكيات الإقليمية و بشكل خاص عند إعادة توجيه وتشكيل الدبلوماسية الجزائرية في تحركاتها تجاه محيطه الخارجي في علاقته  مع المتغيرات الكبرى التي عرفها المشهد الجيوسياسي العالمي .
رمطان لعمامرة تحت الإقامة الإجباربة بأوامر من الجيش 
إرتهان الديبلوماسية الجزائرية لرغبات صانع القرار العسكرتاري برؤية الشمولية و بفهمه الأمني الضيق لطبيعة التفاعلات الإقليمية في غياب تأسيس فهم ديبلوماسي للإشكالات الإقليمية يجعلها جزءا من العطب الإقليمي و أحد محركات الصراع في المنطقة بدل أن تكون بإعتبار حالة الإستقرار النسبية التي يعيشها النظام الجزائري أحد صمامات الأمان الإقليمية .
إنخراط الجزائر في سياسات تسليحية مستغلة مداخيل الغاز و النفط المليارية لدفع المنطقة إلى سباق تسلح إقليمي على حساب جهود التنمية يعد من أهم العوامل التي تؤثر على الأمن الإقليمي والإستقرار الجهوي، بالإضافة إلى تأثيره على جهود التنمية المستدامة في المنطقة حيث أن الميزانيات المخصصة لتطوير القدرات الهجومية و الدفاعية و شراء التكنولوجيات العسكرية تدفع دول المنطقة إلى تخصيص موارد كبيرة للإنفاق العسكري على حساب الاستثمار في القطاعات الحيوية الأخرى مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية  مما يعوق جهود التنمية في المنطقة ويؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة وغيرها من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.
كما ان جنوح النظام الجزائري إلى تعطيل إتحاد المغربي كفضاء مغاربي يعزز التعاون والحوار بين دول المنطقة في إطار المشتركات الممكنة و تساعد على حل النزاعات و الإشكالات الإقليمية المشتركة و العمل المستمر على دعم الحركات الإرهابية و الجماعات الإنفصالية المسلحة و توفير كل الآليات و الميكانيزمات لها من أجل تفجير الوضع الأمني و إدخال الإقليم في حرب مدمرة و التدخل السلبي في الشؤون الداخلية لدول الجوار كليبيا و تونس و مالي و النيجر و موريطانيا و العمل على فتح جبهات ديبلوماسية إستعراضية و الدخول في  معارك سياسية إقليمية مجانية يغيب عنها المنطق السياسي السليم يجعل من السلوك الديبلوماسي الجزائري جزءا أساسيا بل أساس العطب الإقليمي ، لهذا يلاحظ أن العقل الديبلوماسي و السياسي الجزائر غير قادر على فهم مفاتيح الحركة الإقليمية و مداخل المصالح المشتركة و إنتاج رؤية ديبلوماسية تساعده على تكوين علاقات دولية ناجحة ، فكما هو معروف الإقتصاد و التجارة و الإستثمار المستدام و الديبلوماسية متعددة الأطراف و الشراكات الإستراتيجية مع دول الجوار الجغرافي و دول ما بعد الدائرة المقربة هي معززات لوضع حجر الأساس لإستقرار الجزائر ومعها التفاعلات الإقليمية .
 أحمد عطاف دليل على  فشل النظام الجزائري في تجاوز نخبه المريضة
 إستقدام أحمد عطاف من دولاب العشرية السوداء كأحد الوجوه الفاعلة في أحداثها المؤلمة دليل على أن هذا النظام العسكرتاري الشمولي غير قادر على التعاطي بشكل إيجابي مع الإشكالات المطروحة و نزوحه إلى التفكير بمنطق ماضوي يفضي إلى أعادة إنتاج نفسه ، الديبلوماسية الجزائرية اليوم في حاجة إلى رجل دولة بروح سياسية متمكنة؛  رجل متوافق عليه داخليا من جميع الأطراف الفاعلة في مربع الحكم ، بشخصية تمتلك خبرات دولية و معرفة سياسية و قدرات تفاوضية و مساحات حيادية كافية داخل التفاعلات الداخلية تسمح له بالتحرك بين قوى كبرى متنازعة بإستمرار داخل النظام ، إعادة إحياء الدور السياسي لأحمد عطاف في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الجزائر دليل على إصرار النظام الشمولي على المضي بعيدا في معاكسة رغبات شعوب المنطقة في الإستقرار و السلام و تأكيد على الفهم الضيق لصانع القرار الجزائري في إختيار طبيعة الشخصيات المدركة لخطورة التفاعلات المستقبلية المساعدة لإدارة أزمات المنطقة رحم الله الحكيم عبد الحميد مهري الذي قال بالحرف :  ” نحن في زمن الرداءة و للرداءة أهلها .”