الإسلام دينٌ سماوي كغيره من الأديان، والمسلمون أسم لجمعٍ غفير من البشر المتفرقة في أصقاع مختلفة يجمعهم الإسلام ورموزه ومقدساته وفرائضه وشعائره رغم التفاوت في بعض الجزئيات إلا أن الجميع يقف على مسافة واحدة فيّما يخص قداسة الدين ورموزه، ورفض الإساءة للأديان تحت أي شكل من الاشكال.
يتفق المسلمون الذين بلغ عددهم حوالي ٢ مليار نسمة بحسب دراسة حديثة أجريت خلال العام الحالي، على عظمة وقداسة القرآن الكريم ويعتبرون أخذه، أو وضعه بطريقة غير مناسبة إساءة، فضلاً عن تقطيعه، أو إحراقه بشكل علنّي الأمر الذي يعتبر ضربا من الخيال بالنسبة لهم، كما أنّ هذا الجمع الغفير من البشر يختلفون كثيرا عن غيرهم من أبناء الديانات الآخرى، سيما ما يتعلق بمعتقداتهم ورفضهم لفكرة ازدراء الأديان، حيث تجدهم جميعا مجمعون على ذلك ويعتبرون النيل أو الإساءة لأحد رموزهم أو مقدساتهم الدينية جريمة بحق دينهم الاسلامي.
يعّي العالمُ أجمع حقيقة ذلك ورغم معرفتهم بمدى ذلك إلا أنّهم لـم يحترموا مقدسات المسلمين، حتى وأن كان ذلك من باب الحفاظ على ما يربطهم بالمسلمين تجاريا أو دبلوماسيا ولكن ذلك لم يكن فمنذ أيلول 2005 لم يمر عام دون أن تتعرض مقدسات المسلمين ورموزها للإساءة المعتمدة وبالإضافة إلى ما قامت به الصحافة الدنماركية ونشرها لرسوم وأفلام مسيئة طالت محمد بن عبدالله خاتم الانبياء والمرسلين “كما تبعتها الكثير من الصحف الاوروبية والغربية كـصحيفة Magazinet الالمانية دي فيلت والصحيفة الفرنسية France Soir وغيرها من الصحف.
لم يقف الأمر على ذلك الحد وإنما طال لتكون السويد البلد المشجع لتلك الأفعال وبشكل مستمر ومختلف عما سبق حيث قام قبل شهر تقريبا شاب بإضرام نسخة من القرآن الكريم أمام مسجد في أستوكهولم جاء ذلك تزامنا مع بدء عيد الأضحى المبارك المناسبة الكبرى للمسلمين في حادثة لم تكن الأولى ففي 21 يناير/كانون الثاني الماضي أحرق زعيم حزب “الخط” المتشدد” الدنماركي اليميني المتطرف” راسموس بالودان “نسخة من المصحف قرب السفارة التركية في ستوكهولم، وسط حماية من الشرطة.
سابقا قدمت الدنمارك وغيرها من الدول الاوربية اعتذارها للمسلمين أنذاك وذلك كلما يمكن الإشارة إليه في ظل مطالبات عربية بإيقاف تكرار الإساءة للمقدسات و ربما يمكن تلخيص ما حققته المطالبات العربية والاسلامية في أمرين إيجابيين لم يكونا في الحقيقة سوى تعاطف فقط منذ ١٧ عام حيث حصلت في 2006 على تعهد “خافيير سولانا” مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بالعمل على عدم تكرار الإساءة إلى الإسلام أو إلى أي دين آخر و حث “فرايد ” مساعد وزير الخارجية الامريكية للشؤون الاوروبية أنذاك كلا من أوروبا والمسلمين على العمل لإنهاء الأزمة التي نجمت جراء نشر الرسوم المسيئة.
تكررت الإساءة في مكان واحد وفي أقل من شهر في بلدٍ يعيش فيه أكثر من 600 ألف مسلم وعلى إثره خرجت مسيرات حاشدة وتظاهرات كبيرة في اليمن والعراق ولبنان وعددٍ من بلدان العالم الإسلامي معبرين عن غضبهم جراء سماح السويد بإحراق نسخة من المصحف الشريف وطالب المتظاهرون المجتمع الدولي بالتدخل لوقف تكرار الإساءة
وكما رافق ذلك إدانات رسمية واسعة ضد ما أسموه بسماح السويد بالإساءة لمقدسات المسلمين حيث تم استدعاءات لدبلوماسيتها في عدة دول عربية وإسلامية واحتجاجا على ذلك أعلنت تركيا إلغاء زيارة مقررة لوزير الدفاع السويدي إلى أنقرة في 27 وأدانت الخارجية الأردنية ذلك معتبرة أنه تأجيج للكراهية والعنف من قبل السويد وطالبت الكويت المجتمع الدولي بوقف مثل هذه الأعمال ونبذ الكراهية والتطرف كما استدعت الخارجية العراقية يوم الأحد الماضي القائم بأعمال السفارة السويدية في بغداد على خلفية الحادثة التي عدّتها “استفزازا لمشاعر المسلمين وإساءة بالغة الحساسية لمقدساتهم”.
في الواقع لا تمثل التظاهرات والخطابات أي بادرة أمل في سبيل تحقيق مآرب المسلمين الذين عبروا عن غضبهم جراء تكرار الإساءة لمقدسات المسلمين فمنذ ما يزيد على 18 عام وتلك الإجراءات لم تحقق شيء يذكر وفي اعتقادي أن التظاهرات في اليمن والعراق أو ما تبعها من خطابات من بعض رؤساء الدول الإسلامية لا تكفي لإيقاف تكرار الإساءة لمقدسات المسلمين سيما في ظل تقاعس المجتمع الدولي وعدم وجود جدية بشأن مطالبة المسلمين بإيقاف تلك الإساءة وتوفير حماية لمقدساتهم وذلك لم تسع إليه الجهود الدولية الرامية لتحقيق مبادى التعايش والسلام.
في الحقيقة أمر إيقاف تكرار الإساءة لمقدسات المسلمين لا يعد واجب المسلمين أو أنظمة الحكم الإسلامية؛ إنما واجب إنساني على الجميع مسلمين وغير مسلمين وفقا لما تقتضيه مبادئ التعايش العالمي وبالنسبة للدول الإسلامية فإنها تحمل على عاتقها المسؤولية بشكل خاص فيما يتعلق بجدية العمل على منع تكرار الإساءة بشتى الطرق دون أن يقتصر على طريقة معينة أو بالطريقة التي تعمل عليها حاليا من خلال التظاهرات والمسيرات الجماهيرية وكمّا يجب أن لا يقتصر تحركها على التعبير عبر المظاهرات فقط ، إنما يجب أن يشمل كافة الخيارات المناسبة والقنوات المتاحة امامها قانونيا دبلوماسيا وإعلاميا حتى تتحقق لهم تظافر الجـهود الدولية حيث أن ذلك يحتاج جهود مكثفة عالمية مشتركة تهدف لتعزيز التسامح والاحترام المتبادل وتسعى لتحقيقـه بين الثقافات والأديان من خلال نشر الوعي أو على الاقل من خلال تعزيز الإجراءات القانونية والتعاون الدولي في مجالات كثيرة تؤدي إلى السلام والتعايش.
وما يمكن الإشارة إليه هنا أنّ الاستراتيجية القانونية وتعزيز الإجراءات القانونية أحد أهم الأدوات لوقف تكرار الإساءة لرموز ومقدسات المسلمين وذلك لما لها من أثر إيجابي في وضع الحدود للتجاوزات من خلال العقوبات الصارمة خلافا عن كونها تحقق العدالة للأفراد والمجتمعات وكما يجب أن تكون الإجراءات القانونية متزامنة مع الإجراءات الأخرى المشار إليها، مثل التثقيف والتوعية والحوار المفتوح والبناء بين الأديان والثقافات المختلفة، وتعزيز التسامح والاحترام المتبادل بين البشر، فقط بذلك يمكن تحقيق نتائج إيجابية في وقف تكرار الإساءة لمقدسات المسلمين والحفاظ على السلم والاستقرار في المجتمعات.