يونس لقطارني – أروى بريس
في حديثنا عن الدواوير المنسية بجماعة أولاد عيسى دائرة وادي زم اقليم خريبكة جهة بني ملال خنيفرة و نذكر منها ابرز الدواوير المنسية ، ولاد الديك ،العبادنة ،اولاد عمران ،التشايش ،گناوة ، اولاد أحمد، وعند تحدثنا عن هذه الدواوير لسنا نتحدث عن هيروشيما ولا عن بنغازي ولا الفلوجة ولا حتى عن منطقة منكوبة ضربها الزلزال أو اجتاحتها كارثة طبيعية أخرى؛ بل إننا نتحدث عن قرية نائية تقبع وسط الجبال ضربها النسيان ونال منها الفساد وأنهكتها سنوات التهميش والاقصاء وعمت السيبة مختلف مؤسساتها واستشرى الهوان في جسدها.
ونحن الآن على مسافة من فاجعة زلزال الحوز نستحضر مشاهد من دواوير جماعة اولاد عيسى القروية المتضررة لنظهر للجميع أنّها مناطق منكوبة بدون زلزال او فيضان او كارثة طبيعية وبهذا الحرمان من حقها في التنمية المجالية حدّ النسيان والتجاهل وعدها في اعداد الموتى .
مشاهد وصور كأنّها خارج التاريخ في مغرب قطار البراق.. ومدن وحواضر تضاهي مدنا أوربية.. وشبكة طرقية هي الأقوى في أفريقيا..
مشاهد هذا المغرب الآخر في جهة بني ملال خنيفرة جعلنا نستتتج ان بلدنا تسير بعجلتين غير متكافئتين يجعل توازنها الاجتماعي معرض للكثير من الخدوش والإرتدادات والهزات ..
ولعل خطاب جلالة الملك لسنة 2015 قد نبّه إلى هذا الخلل المجالي والإنساني ،وطالب حكومة بنكيران آنذاك النهوض بالعالم القروي ..
ورغم كل الوعود و العهود لازالت دواوير جماعة اولاد عيسى تنزف و الأمل يتلاشى و الألم يزداد ولا نرى إلا التهميش والاقصاء و النسيان .
موقعها طالما حلم به الإستعمار فكافحت وبقيت عصية عليه،ولقنت له دروسا لا تنسى، آه ثم آه على أبناءها البررة من المقاومين الذين لم يخذلوها وأعطوا دمائهم ووهبوا أنفسهم لأجلها ولأجلنا لكي نحيا فوقها في أمن وسلام.
ماذا عسانا أن نقول لمن باعها وإستغل إسمها في ديار القرار وصفقوا لموتها و لم يحضروا الجنازة.
_ شبكة طرقية مهترئة وغير صالحة للانسان و الحيوان :
من أبرزها طريق رقم 3529 الرابط بين عدة دواوير والذي يربط بين الطريق الإقليمية رقم 3808 بين واد زم وابي الجعد والطريق الجهوية 311 أو كما يحلو للساكنة تسميته ب “طريق الموت” حيث أصبحت مهترئة و في حالة يرثى لها وغير صالحة لمرور العربات والسيارات والشاحنات وذلك بوجود عدة حفر كبيرة على طولها و تساقط الصخور الكبيرة وسطها مما يؤدي إلى وقوع عدة حوادث قاتلة ، وتبعا لذلك لطالما نبهت الساكنة سابقا كل القائمين على الشأن المحلي و من يهمهم الأمر بالتدخل بشكل عاجل لإصلاح ما يمكن إصلاحه لكن لا حياة لمن تنادي.
وكما هو معلوم فتشييد بعض الطرق الفرعية يعود إلى حقبة الإستعمار الفرنسي وبعد مرور أزيد من 60 سنة أصبحت هذا الطرق تشكل عدة أخطار على مستعمليها حيث أصبحت محفرة ومهترئة، وصارت كل القناطر التي شيدت عليها هشة وآيلة للسقوط قد تنهارا في أي لحظة، ورغم ذلك فالمسؤولين في سبات عميق دون أن يقوموا بواجبهم من أجل تعبيد الطرقات وفك العزلة عن عالمنا القروى المنسي.
وفي هذا الإطار يحق لنا أن نتسائل عن دور المجالس المنتخبة في إيجاد الحلول المناسبة لمثل هذه المشاكل والمعاناة اليومية لمستعملي هذه الطرق، وعن دور الوزارة الوصية على قطاع النقل والتجهيز في تحسين جودة الطرق وتدبير المخاطر المرتبطة بها.
وأمام هذا الوضع الذي توجد عليه أغلب البنيات التحتية الطرقية والقناطر المتواجدة على تراب الدواوير القروية التابعة لجماعة اولاد عيسى ، فإن الساكنة المحلية ما فتئت تطالب بالتدخل العاجل لإصلاح هذا الحالة التي تزيد من معاناة المناطق التي تنتمي إلى مدار المغرب العميق. فهل ستسير الأمور كما ينبغي أن تكون؟ أم أن هذا الواقع سيستمر في انتظار ما ستجود به الأيام
مستوصف قديم لا يوجد حتى في ادغال افريقيا :
إن الحديث عن المستوصف القروى الذي يزيد الساكنة مرضا و عذابا لا يأتي إلا بمزيدا من الجراح و الآلام حيث بمرور عقود من الزمن وحال هذا المستوصف لا يتغير بالرغم من تزايد الشكايات من قبل أبناء الجماعة عامة .
فعلا إنها الحقيقة المُرّة طبيب ل 5800 نسمة وفي غالب الأحيان غير موجود وخارج التغطية إضافة الى نقص الاجهزة و المعدات والادوية و الإمكانيات البشرية من أطباء و ممرضين و مسعفين ومن أمن خاص وإنعدام النظافة الواجبة في مثل هذه المرافق و التي تكون لها عواقب وخيمة على صحة المواطن المطحون ، مما يحتم على سكان المنطقة التنقل إلى مستشفى الاقليمي .
وتعتبر جماعة اولاد عيسى واحدة من الجماعات البئيسة التي تعاني من غياب التغطية بشبكة الهاتف والإنترنيت على مستوى العديد من الدواوير التابعة لها، وهو الأمر الذي يفاقم معاناة ساكنتها. مما يدفع قاطني الدواوير المذكورة أحيانا للتنقل مسافات طويلة قصد إجراء مكالمة هاتفية مستعجلة للاتصال بسيارة الإسعاف لانقاذ حياة انسان في البرية وغيرها من الخدمات، وكذا الاطلاع على المستجدات المنشورة للوزارات على شبكة الإنترنت وغيرها من الخدمات الرقمية المتنوعة للتلاميذ والطلبة .
ومازال سكان جماعة اولاد عيسى ، يعانون من انقطاع الإمدادات بالماء الصالح للشرب ، مما قد يزيد من حدة الاحتقان في صفوفهم قد يخرجهم لتنظيم وقفات احتجاجية متتالية لجذب انتباه المسؤولين المحليين والالتفات إلى وضعيتهم المتدهورة والخطيرة بسبب ندرة المياه خاصة أن المنطقة تشهد ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة خلال هذه الفترة من السنة.
وقال ساكني الدواوير إن ”أحد المحسنين عمد مؤخرا إلى حفر بئر ووضع سقايات حيث يتوجه سكان الدواوير بشيوخهم وشبابهم ونسائهم إلى جلب الماء من هذه السقايات بواسطة بغالهم وحميرهم في رحلة بحث يومية، عنوانها الشقاء وضرب الكرامة الانسانية في القرن واحد والعشرين بكل بشاعة ، في وقت تنعدم فيه المياه في مراحيضهم ما يؤثر سلبا على سلامتهم الصحية ”.
جماعة اولاد عيسى أنعم الله عليها بنسيم عليل وهواء صحي وماء عذب ومناظر تسحر الوجدان بالإضافة الى إرثها التاريخي العريق الذي قاوم الاستعمار اشد المقاومة وطرده مدحورا مذلولا ومؤهلات طبيعية هامة التي لو تم إيلاؤها بعض الاهتمام والعناية لأضحت وجهة سياحية لما تزخر به من مناظر وثروات طبيعية تأسر قلب زائرها الذي يمني نفسه بمعاودة الزيارة.
فالحديث عن جماعة اولاد عيسى هو حديث عن قرية خاصة : تفاصيل حكايتها لا تنتهي، ومأساتها لا يدركها إلا من ترعرع فيها وشب بين سهولها وجبالها وأنهارها ، وسبر حياة أهلها ومسيريها، فليس الصحفي البارع في البيان أو الكاتب صاحب الأسلوب البديع قادر على أن يشخص حالها مهما أوتي من قوة البيان، ولن ينبئك بحالها مثل خبير مجرب ولو كان جاهلا لا يعرف القراءة ولا الكتابة.