من هناك وراء سور الحضارة الغربية حيث ظاهرها رحمة وباطنها عذاب يولد الأمل ويظهر الإيمان.
حينما يحمى الوطيس ساعة النهار حيث الجري واللهثان وراء الدنيا ،لتجد نفسك واحدا من الناس تركب القطار ثم تنزل بعد سفر كقطعة عذاب ،لتهرول مع المهرولين نحو محطة المترو ، حيث الكل يسعى ذهابا وإيابا وكأنك في مشهد من مشاهد يوم البعث!!! لكن الخلائق هناك لا خبر عن الآخرة يسمع…ولا أذان للصلاة يرفع…ولا إيمان ولا تقوى ولا ورع، بل حتى الإحساس عند البعض مات هناك وانقطع…!!! فلا تسمع إلا همسا …إنها قيامة صغرى تلخص مسرح العبث…ولا ترى سوى فلسفة السعي تتجلى في مقولة ” أنا ألهث وراء السراب إذن أنا موجود” !!!!
وسط هذا الزحام يختبر المرء بطارية إيمانه و نورانية خشوعه الذي تلقاه في محراب العبادة ، فتراه ذاكرا لهادم اللذات، متفكرا في يوم المعاد، محاولا أن يدفع عن نفسه ألوان الزينة وزخاريف الموضة المعروضة أمام عينيه في أبهى الحلل وأرقاها…أو تراه منكسا رأسه في كتاب يرفعه عن الواقع في نقطة ساخنة تأخذ بتلابيب عقله وروحه…أو تراه قد أخذته سٍنة واستولى النوم على كل جوارحه ليرغم نفسه على السكون والخضوع كي لا يطلق لها العنان فتهوي به المهالك….!!!
في مثل هذه المواقف تجد الصلاة أعظم سند يمسك بك ذات اليمين وذات الشمال ،لتنهاك عن كل أنواع الفحش والمنكر التي يمكن أن تعترض طريقك من أول خطوة تخطوها من باب بيتك إلى ساحة الكسب والعراك ، وتجدها حقا تحاج عنك وتحميك من الوقوع في فخاخ التطبيع مع الفاحشة والتعايش معها.
إن كلمة “الله أكبر” في الصلاة تتجلى لك أنوارها وأسرارها حينما تكون وسط القوم فتشعر بميزاب القدر يفرغ عليك صبرا وسكينة وطمأنينة، فتأخذك الرحمة والشفقة على من حولك من خلق الله مقتديا بأثر النبي”إنما أنا رحمة مهداة”.
وهنا تنكشف لك حقيقة المعاني والمباني ليتحول عندك مفهوم الإقامة بين ظهران المشركين إلى واجب الدعوة بالحال قبل المقال ، وتنقلب رؤية البصر إلى بصيرة النظر، وتتهاوى مساوئ النية لتتعالى الأخلاق السوية، حتى تتجلى القوة الإيجابية و تنتشر أشعتها في الآفاق ليستضيئ بها كل الأنام. و عندئذ تستطيع أن ترتل بصوت ملائكي ليطرب العالم وهو يستمع وينصت إلى روح القرآن “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.