اروى بريس – إفران
في ظلّ تسارع التغيرات المناخية، واشتداد الضغط على المنظومة الرعوية، دخلت وزارة الداخلية على خطّ حماية الثروة الحيوانية، مُصدرة تعليمات واضحة إلى عمالات وأقاليم المملكة من أجل تتبع دقيق لوضعية القطيع، وضبط المعطيات الميدانية في أفق تدخلات استباقية تحمي ما تبقى من توازنات الرعي التقليدي.
وعلى هذا الأساس، تحركت عمالة إقليم إفران بسرعة، في تفاعل ميداني مع التوجيهات المركزية، حيث ترأس عامل الإقليم، السيد إدريس مصباح، اجتماعًا تنسيقيًا رفقة طاقمه الإداري ضم رئيس الدائرة والسلطات الترابية بهدف وضع خارطة عمل لضبط وضعية القطيع على مستوى الإقليم، خاصة بالمجالات الجبلية التي تعرف نشاطًا رعوياً تقليديًا وذا طابع موسمي.
قيادة بن صميم… حين تنطلق الدولة من الفجر من بين أبرز المناطق التي تفاعلت بشكل عملي مع هذا التوجه، برزت قيادة بن صميم كمثال حي على سرعة الاستجابة، حيث انخرطت السلطات المحلية هناك في عملية إحصاء شامل للقطيع، شملت مختلف دواوير الجماعة، مع التركيز على الجوانب المرتبطة بمشاكل الكلأ، والتغطية البيطرية، والتنقل العشوائي للرعاة وسط مناخ جاف ومتقلب.
ما يميز هذا التدخل، بحسب مصادر ميدانية، أن قائد القيادة أعطى الانطلاقة لعملية الإحصاء في حدود الساعة الرابعة فجرًا، مستنفرًا أعوانه ومساعديه في جولات ميدانية استثنائية، جرى فيها الاستعانة بالوسائل التقليدية (دفاتر الإحصاء)، إلى جانب أدوات رقمية لتحديد المعطيات بدقة متناهية. وهو ما أضفى على العملية طابعًا تقنيًا وتنظيميًا غير مسبوق في المنطقة.
حماية القطيع… أمن غذائي وقرار سيادي لا تنفصل تعليمات وزارة الداخلية عن السياق الوطني الأشمل، الذي بات يضع الأمن الغذائي ضمن أولويات الدولة، ويعتبر القطيع عنصرًا استراتيجيًا في منظومة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. فالإحصاء والتتبع والتحليل المجالي لم يعد مجرد عمل روتيني، بل أصبح مدخلاً لصياغة سياسات عمومية مستنيرة تستبق الأزمات، وتحمي الفئات الهشة من صدمات الجفاف ونُدرة الموارد.
من هذا المنطلق، تُحسب لعمالة إفران سرعة التجاوب وفعالية التنزيل، وتُحسب لقيادة بن صميم روح المبادرة والانضباط، في ما يمكن وصفه بـ”الدوريات الاستباقية لحماية القطيع”، بمنطقة تُعد من أخصب النطاقات الرعوية بالمغرب.
القطيع… أكثر من أرقام لا يرى المتتبعون في هذه العملية مجرد إحصاء بسيط، بل يعتبرونها خطوة تنظيمية تأسيسية، قابلة للتوسيع والتعميم على باقي الأقاليم. بشرط أن تستمر بمنطق تشاركي، وتتوفر لها الموارد البشرية والدعم التقني، وألا تُختزل في جداول وتقارير جافة.
فالقطيع، بالنسبة للساكنة الجبلية، ليس فقط ثروة حيوانية… بل هو رأسمال اجتماعي وبيئي، ومصدر رزق أساسي لآلاف الأسر، ومرآة لسياسة الدولة في ضمان التوازن بين الطبيعة