Site icon أروى بريس – Aroapress – جريدة إلكترونية مستقلة تصدر من إسبانيا

الأندلس: الشرق في الغرب” لإيميليو غونزاليس فيرين “Historia general de Al Ándalus”-Emilio González Ferrín

بقلم: أحمد الفراك

لايزال كتاب “الأندلس: الشرق في الغرب” لإيميليو غونزاليس فيرين يستقبل باهتمام كبير في الأوساط العلمية والثقافية داخل إسبانيا وخارجها، لأنه يقدم رؤية متميزة لتاريخ الأندلس، بشكل يجعله مرجعا أساسا في الجواب عن كثير من الأسئلة والإشكالات المرتبطة بموضوع الهوية الإسبانية وعلاقتها بالهوية الأندلسية وتاريخها بعيدًا عن الأحكام المتحيزة والأساطير المبسطة. ويوم أمس الثلاثاء احتضنت مكتبة “Fahrenheit415” نشاطا تقديميا للكتاب أطَّره المؤلف Emilio González Ferrín وقامت بتسييره الأستاذة Belén Cuenca Abellan، وحضره مجموعة من المهتمين والباحثين.

الأستاذ إيميليو غونزاليس فيرين، مؤرخ إسباني متفرد، مشتهر في كثير من الجامعات في إسبانيا وفي أمريكا، بمراجعته ونقده للسرديات التاريخية التقليدية في ما يتعلق بتاريخ إسبانيا وهويتها وخاصة ما له علاقة بالأندلس، بدءا من ربط فضاء الأندلس وثقافتها بالعالم الشرقي والمتوسطي المفتوح آنذاك على ثقافات وحضارات مختلفة، وقد استمر هذا الانفتاح إلى حين سقوط غرناطة سنة 1492م، حينما تحولت إسبانيا إلى قومية كاثوليكية منقطعة عن العالم المتوسطي المشترك.

أما ما يسمى بالفتح الإسلامي (711م) فهو لم يشكل حدثا معزولاً ولا عاملا نشازا في تاريخ إسبانيا في تلك المرحلة، بسبب أنه استئناف طبيعي للتأثر بالثقافة الهلنستية والبيزنطية القادمة من الشرق. ولعل من أهم الأفكار التي دافع عنها غونزاليس فيرين في الكتاب:
-انتقاده الرواية التقليدية والتبسيطية التي تقدم إسبانيا في حالة دفاع دائم لاستعادة هويتها المغتصبة، في إطار ما يسميه بعض المؤرخين بحروب الاسترداد، وكأن العمران الأندلسي لم يؤسس حضارة إنسانية مشتركة مترامية الأطراف طيلة ثمانية قرون.
– تأكيده بأن الحدث المسمى بـالفتح الإسلامي كان استمرارا للانفتاح ولم يكن غزوًا بربريًا دمّر الحضارة الرومانية-القوطية.إذ حافظ على استمرارية المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، واحتفظ السكان اليهود والنصارى بوجودهم وبثقافتهم طيلة القرون الثمانية، وتعلموا العربية بالتدريج لأنها كانت لغة العلم والفلسفة والمعرفة. يقول إيميليو: “كل غزو في التاريخ استعبد الشعوب وحطم الدول ودمرها إلا الفتح الإسلامي، فقد حرر الأمم وأهداها الحضارة والرقى”.
– إظهاره لمكانة الأندلس الثقافية والعلمية في تطور أوربا، حيث احتضنت مختلف العلوم والفلسفات القادمة من الشرق، ونقلتها إلى أوربا المسيحية بأمانة، بل أضافت إليها شروحا وتعليقات وترتيبات وانتقادات ومناهج، استفادت منها الحضارة الأوربية في نهضتها في مختلف المجالات.
– رفضه لسردية “حروب الاسترداد” (La Reconquista)، لأنه مجرد إديولوجية منافية للحقيقة في الأرض وفي الوثائق، فمثلا العلاقة بين الممالك المسيحية الشمالية ودول الأندلس لم تكن عِداء دائما ولا حربًا دينية مستمرة، بل كانت علاقة يتناوب فيها الانسجام مع التنافس، والسلام مع الصراع، والتعايش مع التوجه الثقافي. وأغلب مراحل التعايش كانت سلمية يطبعها الاحترام والتواثق والتعاون.
– يذكر بقدرة حضارة الأندلس على إنشاء مجتمع تعددي متعايش، يتجاور فيه المسلم مع اليهودي مع المسيحي، وتتعايش فيه الثقافات والديانات بسلام وتفاهم وسماحة، فعاش الشرق كريما في الغرب.

وبناء على ما سبق، يكون هذا الكتاب قد قدم تصحيحا لكثير من المفاهيم الخاطئة والمنتشرة عن حضارة الأندلس، ليؤكد إيجابية ذلك النموذج المتقدم نسبيا في محيطه من حيث إنشاؤه لفضاء سياسي وثقافي وديني متعدد ومشترك طبع حوض البحر الأبيض المتوسط بطابع خاص.

ولذلك يدعونا إيميليو غونزاليس فيرين في هذا الكتاب وفي غيره من الكتب والمحاضرات إلى التعامل بحس نقدي وموضوعي مع السرديات التقليدية، من أجل تجديد النظر والبحث في التراث الحضاري الإسباني الذي يلتقي فيه الشرق والغرب، معتبرا أن حضارة الأندلس وتاريخها جزء لا يتجزأ من حضارة إسبانية وتاريخها.

Exit mobile version