ما فتئ المغرب، الذي يعد بلدا للتسامح والحوار، يعمل من أجل الدفاع عن القيم الكونية والقضايا العادلة في مجالي الحرية والكرامة الإنسانية. حيث تجسد هذا الالتزام الراسخ النابع من إيمان عميق بالإنسان، على المستوى الوطني، من خلال مسلسل موصول من الإصلاحات التي تنجز خلف قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، سعيا إلى ترسيخ حقوق الإنسان في جميع أبعادها، بالموازاة مع الواقع الذي يتطور في اتجاه المكتسبات الكثيرة، التي تحظى سنويا بالاعتراف من قبل الهيئات الدولية المرموقة.
وإلى جانب كونها تشكل تجسيدا لتفاعل المملكة مع الآليات الأممية ذات الصلة، أضحت هذه الإنجازات الهامة المكتسبة من خلال الجهود الحثيثة التي بذلها المغرب لضمان ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، سواء تعلق الأمر بالحقوق المدنية، السياسية، الاقتصادية أو الاجتماعية، تشكل دينامية متجذرة في النصوص كما في الممارسة، وهو ما ينعكس على وجه الخصوص، في التصديق على الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان واعتماد التشريعات الوطنية الملائمة، بما يعد إنجازات وجدت لها صدى كبيرا ضمن تقارير المنظمات، سواء أكانت حكومية أو غير حكومية، وكذا لدى الخبراء والمراقبين من جميع المشارب.
وتأكيدا لهذا الاعتراف الدولي بدينامية حقوق الإنسان التي تشهدها المملكة، فقد صنف المغرب منذ بضعة أشهر، من بين البلدان الخمسة الأوائل، المميزة لدى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في مجال تنفيذ بعض التوصيات ذات الأولوية برسم سنة 2019.
وفي الواقع، فإن المغرب يوجد ضمن مجموعة محدودة من خمس دول “نالت أفضل تنقيط خلال استعراض تتبع اللجنة لإجراءاتها بشأن التوصيات ذات الأولوية”، حسبما أشار بلاغ نشر على موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
وتكريسا لهذا الالتزام من أجل تعزيز حقوق الإنسان والنهوض بثقافتها، وفي إطار تعزيز تفاعلها مع آليات الأمم المتحدة ذات الصلة، قدمت المملكة التقرير نصف-المرحلي حول تتبع تنفيذ التوصيات المنبثقة عن الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان بجنيف.
والتزم المغرب طواعية بعرض هذا التقرير أمام مجلس حقوق الإنسان، بعد اعتماد تقرير مجموعة عمل المراجعة الدورية الشاملة في شتنبر 2017. واليوم، جدد المغرب التزامه للمرة الثانية، بعد تقديم تقرير نصف-مرحلي أول سنة 2014.
ويقدم هذا التقرير وضعية تنفيذ التوصيات المقبولة كليا وجزئيا، مع تناول المبادرات الرئيسية المتخذة على المستويين التشريعي والمؤسساتي، وعلى مستوى البرامج والسياسات العمومية في مجال حقوق الإنسان.
والجدير بالذكر أنه خلال الدورة الثالثة من المراجعة الدورية الشاملة، تلقت المملكة 244 توصية. حيث تم قبول 191 توصية، منها 23 تم اعتبارها منفذة بالكامل من قبل المملكة و168 توصية توجد قيد التنفيذ. كما أخذ المغرب علما بـ 44 توصية، 18 منها رفضت جزئيا، و26 جرى رفضها بالكامل. من جهة أخرى، اعتبر المغرب أن 9 توصيات غير مقبولة على اعتبار أنها لا تندرج ضمن تفويض مجلس حقوق الإنسان.
وإلى جانب ذلك، تحرص المملكة على تقديم تقاريرها لهيئات المعاهدات. ففي العام الماضي، قدم المغرب التقرير الوطني الوحيد حول تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وكذا التقرير الوطني الوحيد حول تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وفي إطار تنفيذ التزاماتها الدولية، واصلت المملكة تعزيز ترسانتها القانونية وملاءمتها مع هذه الالتزامات عبر إصلاح منظومتها الجنائية، مع اعتماد قانون حول الطب الشرعي وإعداد مشروع للقانون الجنائي. كما أن المغرب عازم على استكمال تحضير قانون جديد للمسطرة الجنائية يتماشى بشكل أكبر مع معايير المحاكمة العادلة.
كما أن المملكة، التي عززت أيضا إطارها المؤسساتي المتعلق بحقوق الإنسان، لاسيما من خلال إعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتعزيز صلاحياته، تواصل بعزم تنفيذ الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، لاسيما تعزيز ثقافة حقوق الإنسان عبر برامج التحسيس والتكوين المستمر للقضاة، والمحامين، والأعوان القضائيين. كما يواصل المغرب إقرار آليات للديمقراطية التشاركية، وفقا لمقتضيات الدستور.
ويشهد هذا العمل الدؤوب على التزام ثابت بتعزيز حقوق الإنسان في جميع أبعادها، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو النهج الذي سيتعزز بشكل أكبر في إطار النموذج التنموي الجديد، الذي يوجد قيد الإعداد، من أجل تحقيق التنمية الشاملة للمملكة وضمان المزيد من التقدم الاجتماعي للمواطنين.