بقلم: إسماعيل الراجي*
يشكل الماء المادة الأولى للحياة، وعنصر من عناصر الأساسية في تشييد العمران البشري على الامتداد الجغرافي للمجتمعات تاريخيا وراهنيا. ومن المفارقات المتعلقة بالماء، أنه معطى مجالي محدد سلفا، فإما أن يكون البلد له هذا المعطى الطبيعي، أو يكون هذا البلد معلقا بوضعية استثنائية تتسم بالقلة وندرة، نظرا للعوامل الطبيعة المرتبطة بالمناخ والجغرافية، أو مرتبطة بوضعيات جيوسياسة معقدة. لقد باتت الثروة المائية في الزمن الراهن من بين الإشكالات العالمية في العديد من المجالات العالم، حيث أصبح الماء جزء من مجموع المشاكل التي يدور حولها الصراع السياسي بين الدول التي بينها متصل مائي، كحالات التي يكون فيها المنبع في دولة، والمصب في دولة ثانية. ومن أشهر الامثلة في هذا الصدد، نهر النيل.
من المعلوم أن السياسات التنموية في العالم، وبالخصوص في العالم الثالث ترتبط بالماء، أكثر من أي وقت مضى، فنظرا للتحولات الاجتماعية والانتاجية التي شهدها المجتمع الحديث، التي من بينها التحولات الديمغرافية حيث ارتفع عدد سكان العالم، ومعه زادت حصص الماء للفرد؛ وتحولات المشهد الزراعي الذي وصلت فيه الزراعة إلى عمق الصحراء، وتنوع المزروعات؛ وتحولات الصناعية وتوسعها، حيث أصبحت الصناعة من مستهلكي الماء في عملية الإنتاج، وغيرها من التحولات التي نجم عنها زيادة الطلب على استهلاك الماء، هذا الأخير، الذي يعد معطى مجالي محدد حيث بعض المجالات تقف ندرة الماء من بين أهم المحددين للسياسات العمومية، وهذا ما يفرض على مخططي التنمية باستمرار صياغة مشاريع وفق متغير الماء في المجال.
إن الماء أهم متغير في تنمية الفلاحة، والصناعية، حيث يملي حجم المياه بكافة أشكالها وألونها في المجال نوع السياسة الإنتاجية في المجال. ومن عناصر القوة المجالية لبعض الدول، انوجاد مجاري الأنهار والاودية ضمن حدودها السيادية، حيث المنبع والمصب في حدود الدولة، ومن بين الدول نجد الدولة المغربية التي لها هذه الميزة الطبيعية، إذ يتوفر المغرب على مجموعة من الأنهار والأودية التي منبعها ومصبها داخل الحدود الترابية.
ومن الجذير بالإشارة، يعد كل من نهر درعة(1200كلم)؛ ونهر أم الربيع(555 كلم)، ونهر ملوية(521كلم)، ونهر سبو(495 كلم)…إلخ، من بين أطول الأنهار في المجال التراب المغربي. أما بخصوص الأودية، فهناك مجموعة من الاودية التي تلعب كالأنهار المغربية أدوارا حيوية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للعديد من المجالات الترابية المغربية. ويشكل واد ورغة، أحد هذه الروافد المائية المهمة في المغرب، الذي يساهم بشكل مباشر في المشهد الزراعي بمنطقة الممتدة على طولي شريط الواد.
إن واد ورغة، يعد أهم رافع للتنمية القروية والفلاحية على طول مجراه، من حدود جبال الاطلس من ناحية الشمال إلى نقطة إلتقائه(مكرن)، في وسط منطقة الغرب، فعلى طول هذا المجرى والامتداد الترابي ذا الطابع القروي، جعل هذه المناطق الزراعية تتوفر على معطى استراتيجي لنشاط الفلاحي، وزادت أهمية هذا الواد، بفعل آلية التحكم في تنظيم جريانه المستمر، بفعل إدارة سد الوحدة.
يمكن الحديث عن بعض جوانب التاريخية لواد ورغة عبر ثلاثة مراحل: مرحلتين خلال القرن الماضي، ومرحلة حديثة في القرن الجاري. أي، مرحلة واد ورغة قبل بناء سد _سد الوحدة_؛ ومرحلة واد ورغة بعد تشييد وبناء السد؛ ومرحلة واد ورغة على ضوء أشغال بناء “سد كدية برنة”.
من ملامح المرحلة الأولى،كان فيها واد ورغة خاضعا للعوامل المناخية، خصوصا، لمستوى التساقطات المطرية، حيث من ذكريات التاريخية لهذا الواد، التسبب في الفيضانات جراء ارتفاع منسوب التساقطات المطرية التي عرفها المناخ المغربي ما قبل تسعينيات القرن الماضي. هذه الفيضانات التي تدمر وتلحق الأضرار بكل ما يعترض طريقها. مع العلم، أن هناك مجموعة من الدواوير الممتدة من المنبع إلى المصب تقع بالقرب من مجرى واد ورغة. وعليه، كانت دائما تلحقها أضرارا ناجمة عن فيضانات ورغة.
ويذكر في هذا السياق أن أواخر سنة 2009، ونظرا لكمية التساقطات المهمة التي عرفها المجال المغربي خلال ذلك الموسم الفلاحي، ارتفع منسوب جريان الواد ليصل إلى أعلى الجرف الذي يبلغ في بعض المناطق متريين(2م)، وكان هذا المشهد خلال فصل الشتاء للموسم الفلاحي 2009-2010، ومنه يقال في وصف هذا المشهد في الثقافة الشعبية: “الواد ضرب لجراف”، “الواد حامل”.
أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة كانت خلال تسعينات القرن الماضي، حيث عرف هذا الواد أهم حدث ترابي على مستواه، إذ تم تشييد سد الوحدة، الذي بدأت أعمال الانشاء فيه سنة 1991، وتم تدشينه سنة 1997م من قبل الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، وضيفه الرئيس الإيطالي أنداك أوسكار لويجي سكالفارو.
ومن بين بعض خصائص ووظائف سد الوحدة الذي تمت على مستواه عملية الشروع في تجميع الماء سنة 1996م؛ أنه يعد من أكبر السدود بافريقيا، حيث يبلغ طوله 2600 مترا، وارتفاعه 88 مترا. وتقدر قدرته على تخزين كمية من الماء تقدر، 3800.00 مليون متر مكعب. ومن وظائف هذا السد، أنه يقاوم الاطماء؛ ومعتمد للري(المساحة القابلة للري تقدر 100000)؛ ويوفر الماء الشروب؛ وماء الصناعة، ويحمي ويقي من الفيضانات؛ وينتج الكهرباء.
ولقد كان لهذا الإنجاز، انكاس إيجابي على بعض الجماعات الترابية، فبفعل بناء السد، وما يرفق ذلك من نزع الملكية ونحوها من الأمور المرتبطة بالسد والمتعلقة بالدواوير التي أضحى مجالها ضمن منطقة الغمر. فقد كان هذا الحدث عاملا رئيسيا ومباشر في عملية الهجرة نحو جماعة جرف الملحة، التي ستصبح ثالث أهم مركز حضري بإقليم سيدي قاسم، بفعل هجرة السكن لمركزها الحضري الناشئ أنذاك.
وعلى مستوى الزراعي، ستزدهر الزراعة على طول ضفاف واد ورغة، الذي نميز فيه بين نوعين من الزراعة، الزراعة العصرية، التي تعتمد على الاستثمار الزراعي في الأشجار المثمرة كالحوامض والورديات ونحوها من المزروعات التي تستعمل فيها تقنيات الحديثة في الزراعة، والتي جعلت المنطقة من بين المناطق المغربية التي تساهم في الإنتاج الفلاحي نوعا وكما.
أما الزراعة التقليدية، فهي مرتبطة بالفلاحين الصغار، الذين تعد ملكيتهم القريبة من منطقة السقي صغيرة، ونظرا لوضعهم الاقتصادي ووضعية بنية العقارية كالملك في الشياع، ما تزال شريحة من هؤلاء الفلاحين ينشطون في زراعة الحبوب(القمح، الشعير)، التي تتسم بقلة المردودية المادية مقارنة مع الزراعات الحديثة.
في حين المرحلة الثالثة، هي المرحلة الراهنة التي يتم فيها حاليا، اشتغال على بناء سد “كدية البرنة”، الذي سينضاف إلى مجموع السدود المغربية التي تم بناؤها. ويعد مشروع بناء سد “كدية البرنة ” على واد ورغة، من بين أهم التدخلات للسياسات الترابية المائية للدولة في مجرى واد ورغة. وذلك ضمن البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، وستستغرق مدة إنجاز هذا السد 48 شهرا بكلفة إجمالية تقدر بمليار درهم.
ومن الأهداف المتوخاة من هذا التدخل، توسيع شبكة السقي كما هو مخطط، إذ تقدر المساحة المستهدفة بحوالي72 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية التي تخص منطقة سهل الغرب، منها 30 ألف هكتار سيتم تجهيزها في الشطر الأول حسب أهداف المشروع المتعلقة بالري، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، من المخطط لسد كدية البرنة، أن يعزز تزويد الساكنة بالمنطقة، بالماء الصالح للشرب، ومن بين الجماعات الترابية والمراكز التي ستستفيد، الجماعات الترابية بإقليم سيدي قاسم، والجماعات الترابية بإقليم سيدي سليمان، وكذا المراكز المجاورة.
قصارى القول، نظرا لما يعرف العالم من وضعيات مقلقة تخص ثروة المائية، وخاصة المنطقة العربية التي تعد من بين أفقر دول العالم من حيث توفر المياه، من الأجدر، أن يزيد عدد البرامج الوطنية التي ترسخ ثقافة المحافظة على الثورة المائية من كل ما من شأنه أن يضر بها، وما أكثر مصادر التلوث والاستنزاف لهذه الثروة.
*باحث في سوسيولوجية المجال وقضايا التنمية الجهوية