بقلم : البراق شادي عبد السلام
قرار مجلس الأمن رقم 2654 ينهي بشكل نهائي و فعلي الجدل العقيم التي تثيره الجزائر و صنيعتها البوليساريو بشكل سنوي حول قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية و يفتح الباب مشرعا أمام تثبيت جهود الأمم المتحدة و المنتظم الدولي للتوصل إلى حل سياسي تحت السيادة المغربية لصراع إقليمي مفتعل هدفه أساسا ترسيخ القيم الإستعمارية التي جسدها مؤتمر برلين الإمبريالي 1884 و الإتفاقات السرية التي تلته من أجل إقتطاع أجزاء كبرى من أقاليم الإمبراطورية الشريفة المترامية الأطراف و إلحاقها بمصالح إستعمارية خدمة لأجنداتها التوسعية.
ثم في مرحلة متحورة شهد الصراع ظهور النزعة التوسعية البومدينية التي تحولت فيما بعد لعقيدة سياسية و عسكرية لقيادات الجزائر بإستخدام أدواتها كميليشيا البوليساريو الإنفصالية من أجل خلق دويلة عميلة في الصحراء المغربية. .
الرد المغربي على كل المناورات الإستعمارية و التوسعية التي تهدد وحدته الترابية كان حاسما و واضحا و مسؤولا فالحفاظ على قدسية الحدود المغربية و إعتبار السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية كان و لازال خطا أحمرا لدا القيادة و الشعب المغربي لا يمكن لأي طرف أو أي جهة كيفما كان وزنه أو وضعه المساس به أو الإقتراب منه و ذلك إما بالردع العسكري وفق الشرعية الدولية أو المسار التنموي الشامل بإطلاق مسيرة تنموية عابرة للصراعات و التجاذبات السياسية و النتيجة كانت إحباط مؤامرات الخصوم طوال عقود و تحول مدن و مداشر الصحراء المغربية إلى أوراش تنموية مفتوحة على جميع المستويات والمجالات و سط زخم ديبلوماسي دولي داعم لوحدة الأراضي المغربية من طنجة إلى الكويرة سواء عبر دعم مستدام لقرارات الشرعية الدولية التي تصب في هذا المجال أو عن طريق حضور سياسي و ديبلوماسي على الارض يجسده تواجد 30 قنصلية لمختلف دول العالم في مدن الداخلة و العيون و عدم إعتراف أكثر من 84٪ من دول المعمور بجمهورية الوهم بتندوف .
قرار مجلس الأمن يؤكد صراحة على دور الجزائر و الأساسي في حل هذا النزاع و يحملها مسؤولية تطور الموقف السياسي إلى إتجاه آخر يهدد الأمن الإقليمي خاصة بعد تسهيل دخول عناصر الحرس الثوري إلى مخيمات تندوف بأسلحة نوعية لإشعال المنطقة بإستخدام المسيرات .
الجزائر اليوم مطالبة بتطوير موقفها السياسي بشكل يتماشى مع جهود الأمين العام للأمم المتحدة و من خلال هذا المسار يمكن لنا فهم القرار الرئاسي الاخير في الجزائر بإقالة المسمى “عمر بلاني”، المسؤول السياسي الأول عن ملف الصحراء المغربية بالخارجية الجزائرية الذي كان يشغل صفة “المبعوث الجزائري الخاص بقضية الصحراء وبلدان المغرب العربي”، في محاولة للتنصل من تداعيات هذا القرار على الديبلوماسية الجزائرية المنهكة .
المغرب اليوم يحقق إنتصارا سياسيا داخل مجلس الأمن في هذا الملف بعد عمل نوعي تراكمي قامت به الديبلوماسية المغربية وكافة المصالح الخارجية طوال سنة من العمل النوعي الدؤوب كل من موقعه لأجل إحقاق الحق و كشف الأكاذيب ودحض الكم الهائل من الأخبار الزائفة و المضللة التي تعتمد عليها الميليشيا الإنفصالية مدعومة بالجزائر لإجترار قصصها الخادعة و أراجيفها البئسية في محاولة للإضرار بصورة المغرب الحقوقية و السياسية و الإقتصادية .
قرار مجلس الأمن الاخير يؤكد على الطابع الإقليمي للنزاع المفتعل و يدعو كل الأطراف الإقليمية للعودة إلى مسار الموائد المستديرة لفتح حوار جدي و مسؤول للبحث على حل سياسي واقعي و عادل و مستدام متوافق بشأنه مستند على المعايير السياسية لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد و نهائي للنزاع، و ذلك بتحديد الإطار المرجعي للحل السياسي، انطلاقا من روح قرار مجلس الأمن رقم 1754 / 2007 و هي السنة التي عرفت إقتراح المغرب لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية .
على المستوى الحقوقي رحب مجلس الأمن بكل الخطوات و المبادرات الحقوقية التي يقوم بها المغرب في الصحراء المغربية ممثلة في الآليات الوطنية لحقوق الإنسان و بشكل خاص اللجان الجهوية التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في جهة العيون الساقية الحمراء و الداخلة وادي الذهب مما يشكل إنتكاسة حقيقية و هزيمة نكراء لكل الطروحات الوهمية و الحالات الحقوقية المفبكرة التي تروجها ميليشيا البوليساريو في ردهات المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان و التي أصبحت متجاوزة قانونيا و أمميا و سياسيا .
مع تسجيل تنبيه القرار الأممي للوضعية المأساوية التي يعيشها المحتجزون مخيمات تندوف في ظروف لا إنسانية و ضرورة أن تقوم المنظمات الإغاثية الدولية بالعمل على تمكينهم من المساعدات الغذائية و ذلك لن يتم إلا بالحفاظ على حقوقهم السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و ذلك بإحصاءهم و ضبط أعدادهم حيث شدد القرار الأممي على ضرورة تمكين المحتجزين من حقوقهم في تأسيس الجمعيات و المنظمات المدنية و التعبير على الرأي.
الجزائر و معها ميليشيا البوليساريو تحصد الفشل و هي التي راهنت على إدانة أممية بفبركة قصص خيالية عن وضعية حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية مما شكل نهاية سياسية و حقوقية لكل الوجوه و الأدوات الحقوقية المفضوحة من عناصر الطابور الخامس، اليوم قرار مجلس الأمن من خلال الإجماع الدولي الإيجابي بالتصويت عليه من طرف دول العالم الفاعلة في السياسة الدولية و كذا العديد من الدول التي تعبر قلاع لأنشطة عناصر الجبهة الإنفصالية كالمكسيك و غانا يعتبر إنتكاسة حقيقية للديبلوماسية الجزائرية المحرك الأساسي لعناصر البوليساريو .
الموقف الروسي الكلاسيكي يمكن تفهمه دون ربطه أو وضعه في سياق التجاذبات الجيوسياسية التي يعرفها العالم منذ بداية الحرب الأوكرانية.
الموقف الأمريكي يأتي بعد سنتين من الإعتراف الأمربكي بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية الذي شكل منعطفا مصيريا في تناول القوى الدولية الفاعلة الأخرى للملف .
الموقف الفرنسي يمكن إعتباره جزءا من السلوك الديبلوماسي الفرنسي الدائم إتجاه قضية الوحدة الترابية و يمكن قراءته كخطوة فرنسية لخفض التصعيد مع المغرب خاصة بعد الإشارات القوية التي ترسلها الرباط حفاظا على العلاقات التاريخية مع باريس .
بالنظر لقائمة الدول التي صوتت لصالح القرار نجد الهند و إيرلندا و النرويج و المملكة المتحدة و الصين و ألبانيا و البرازيل و هي دول إستطاعت الديبلوماسية المغربية طوال سنوات بناء مسارات صلبة للتعاون الديبلوماسي و خلق آفاق تنموية و إقتصادية معها وفق مبدأ رابح – رابح .
الإمارات العربية المتحدة تظل أحد أهم الشركاء الإستراتيجيين للمملكة المغربية و يظل محور الرباط / أبو ظبي جزءا أساسيا من الأمن القومي العربي الممتد من الخليج للمحيط .
الغابون الشقيقة هي قاعدة صلبة للإستراتيجية المغربية في إفريقيا و حيث أن العلاقات الثنائية بين الدولتين على مستوى القيادة و الحكومة و الشعب نموذجا للتعاون الإقليمي بين دول جنوب – جنوب .
العقل الإستراتيجي المغربي إستطاع بمهنية عالية و بأداء سياسي إبعاد قضية الوحدة الترابية عن الصراعات الجيوسياسية المتصاعدة التي يعرفها عالم ما بعد كورونا ، و رفض أن يحولها لحلبة تكسير العظام بين القوى العالمية خدمة لمصالح آنية أو ظرفية ، صحيح هو ملف بحمولة إقليمية تتداخل فيه مصالح و تقديرات و إختيارات العواصم الفاعلة بشكل كبير ، لكن يبقى الجميع بفضل المواقف الوطنية الثابتة الغير القابلة للتصرف أو النقاش ينظر إلى الحل من زاوية مغربية صرفة بقواعد إشتباك ديبلوماسية صارمة وفق معادلة جيوسياسية حددتها العاصمة الرباط بهدوء إستراتيجي عنوانها العريض : الوحدة الترابية خط أحمر .
قرار مجلس الأمن سيعطي للمملكة المغربية هامشا كبيرا للمناورة بين المحاور الكبرى في العالم و تطوير الآليات و الميكانيزمات التي تستخدمها لحماية المصالح العليا للشعب المغربي و الحفاظ على قدسية الأمن القومي للدولة ، فالحسم السياسي مع هذا الملف يعيش أطواره الأخيرة، أكيد صرخات العدو و إستفزازاته ستتكاثر و حالة السعار السياسي سترتفع و البهرجات الهلامية و الإستعراضات البهلوانية ستتنامى ، لكن كلنا ثقة في مؤسسات الدولة الساهرة على إدارة هذا الملف بإقتدار كبير .
الترافع المغربي على قضيته الوطنية هو صورة مشرفة لإلتحام الشعوب بقيادتها التاريخية في معركة الوعي بالمخططات التقسيمية التي تستهدفها و يظل إلتفاف الشعب المغربي حول المؤسسة الملكية في معركة الدفاع عن الوحدة الوطنية نموذجا لنضال الشعوب من أجل الحفاظ على سيادتها و إستقلالية قرارها الوطني بعيدا على الإملاءات الأجنبية أو الرضوخ لأطماع خارجية .