يمكننا إعتبار منطقة الساحل و الصحراء الأفريقية من أكثر المناطق في العالم التي تعرف إنهيارا لمنظومتها الأمنية و العسكرية و الإقتصادية نتيجة للعديد من التطورات المجتمعية و الإقتصادية والأخطار البيئية بالإضافة للتهديدات والمخاطر الأمنية الناجمة عن الفراغ المؤسساتي التي تخلفه الحروب الأهلية و إنتشار و تسيد الجماعات الإرهابية و المنظمات الإجرامية العابرة للحدود و القارات و توطن الحركات الإنفصالية في المناطق الفاشلة أمنيا .
حيث إجتمعت في المنطقة الكثير من عناصر المخاطر و التحديات الأمنية التي تؤثر على المسارات التنموية و الإستقرار داخل المجتمعات المحلية بسبب إنتشار المخاطر السياسية والإقتصادية والإجتماعية و المناخية و البيئية ؛ علاوة على الظواهر الإجرامية الإلكترونية والعمليات الإرهابية بأشكالها التقليدية والمتطورة.
هذا الوضع هو نتيجة حتمية لمجموعة من العوامل المتعددة الأبعاد، أهمها فشل و إفشال الدول المستقلة عن الإستعمار في تأسيس بنيات وظيفية تؤهلها لممارسة دورها كدول ذات سيادة تستطيع فرض هيمنتها على ترابها الإقليمي مما أدى إلى هشاشة الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي وشبه غياب أو إنهيار المنظومة الإقتصادية التي كرستها السياسات الإستعمارية التي مارست الوصاية النقدية لعقود طويلة و الإستغلال الغير مباشر لثرواتها الباطنية بالإضافة إلى النزاعات العرقية و الصراعات الإثنية و العسكرية التي لا توفر الظروف الملائمة لتحقيق نهضة إقتصادية و إستقطاب رؤوس الأموال و الإستثمارات مما جعلها بيئة خصبة لإستفحال ظاهرة الإرهاب و إنتشار الفكر المتطرف و كل أشكال الجريمة المنظمة العابرة للقارات .
منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية حاضنة إقليمية للإرهاب و الإنفصال.
هذه الكتلة الجغرافية من العالم المتمثلة في الساحل الإفريقي و الصحراء الإفريقية الكبرى تمثل حاليا أكبر المناطق خطورة في العالم و إفريقيا بل و أكثرها هشاشة في المنظومة الأمنية و الإجتماعية و من أكثر المناطق جذبا للجماعات الإرهابية المتطرفة و التنظيمات الإجرامية العابرة للقارات و الحركات الإنفصالية .
حيث تحولت المنطقة إلى حاضنة إقليمية و دولية في آن واحد للجماعات الإرهابية و المنظمات الإجرامية الدولية و الفكر المتطرف كجماعة بوكو حرام في نيجيريا و أنصار الشريعة في ليبيا و القاعدة بالغرب الإسلامي في مالي و النجير و داعش الصحراء الكبرى و ميليشيا البوليساريو الإرهابية في جنوب غرب الجزائر .
بسبب كل هذه العوامل مجتمعة أصبحت إشكالية تحقيق الأمن البشري بمفهومه الشمولي في المنطقة من أهم الملفات المطروحة على الدوائر الأمنية و العسكرية ومؤسسات صنع القرار السياسي على جميع المستويات الوطنية و الإقليمية و الدولية ،مما حولها لأكثر المسارح الدولية إستقطابا للتنافس الجيوسياسي المتعدد الأبعاد و الأطراف خاصة و أن العديد من القوى الدولية تتسابق لتنزيل أجنداتها بهدف لعب دور في التأثير على مسارات الصراع الإقليمي بين الأطراف المتصارعة على الأرض مستغلة عدم الإستقرار السياسي والأمني خدمة لإستراتيجياتها المختلفة .
في الوقت نفسه تبذل مجهودات من عدة أطراف إقليمية و دولية إنطلاقا من مبدأ التضامن الإقليمي و الحوار الإستراتيجي جنوب /جنوب من أجل تجاوز كل مظاهر عدم الاستقرار والسعي لتحقيق التوازن على المستوى الإقليمي و البحث عن أرضية مشتركة للتوافق بين كل دول المنطقة لتحقيق الإستقرار ، عن طريق دعم كل المبادرات ومساعي تكريس السلم والأمن وحل النزاعات سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف إقليميا و قاريا و أمميا.
ميليشيا البوليساريو الجزائرية جزء من منظومة الإرهاب في الساحل الإفريقي.
نتيجة الموقع الإستراتيجي للمنطقة في الخريطة الجغرافية الدولية تاريخيا كانت المنطقة و لازالت مسرحا مفتوحا للتنافس الدولي بين الإمبراطوريات الإستعمارية أو رغبة الدول المركزية المتوسطية في التمدد جنوبا لتأمين خطوط التجارة الدولية و قوافل الذهب و الملح و العاج ، بعد المرحلة الإستعمارية و إستقلال مختلف شعوب المنطقة و نتيجة لتوفر الثروات الطبيعية و الإمكانات الإقتصادية الهائلة ،إضافة إلى تأثيرات النزاعات الإثنية وهشاشة الأنظمة السياسية والتحديات الأمنية العابرة للحدود ، مما فرض البحث عن أرضية عمل إقليمية مشتركة وفق رؤية إقليمية بمقاربة إفريقية خالصة قائمة على مواجهة التهديدات الأمنية بالإعتماد على الحوار الإقليمي الموسع و المتعدد الأطراف لإبداع حلول تعتمد على حل إشكالية التهديدات العالمية إنطلاقا من “حلول إفريقية ” وتكريس مبدأ “أفرقة ” الحلول للإشكالات المهددة للأمن البشري في المنطقة بتنسيق الجهود وتشريك كل الأطراف الدولية و الإقليمية و الوطنية وبخاصة في منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية الكبرى و هو ماتجسده المقاربة المغربية الشاملة التي تنطلق من التنمية المستدامة و الأمن المستدام و مركزية دور الإنسان الأفريقي في تحقيق الأهداف المشتركة .
ظهر مفهوم منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية الكبرى في العلوم السياسية و العسكرية الحديثة إبتداء من سبعينيات القرن الماضي للدلالة على حزام جغرافي ممتد من الساحل الأطلسي غربا إلى البحر الأحمر شرقا مرورا بالعديد من الدول مثل السنغال وموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد والسودان ونيجيريا و الغابون و سيراليون، و مع تطور الأحداث السياسية و العسكرية وتسارعها في المنطقة تطور هذا المفهوم الجغرافي لمفهوم جيوسياسي لتندرج تحته مجموعة دول شمال أفريقيا المطلة على البحر المتوسط ، فالمشترك بين أغلب دول و كيانات المنطقة في الساحل أنها شريط ممتد من الأزمات و الصراعات و البؤر الساخنة يمتد لأكثر من 6000 كيلومتر ، وهذا الساحل المأزوم غارق في المشاكل المجتمعية والأمنية في مقدمتها أزمة بناء الدولة و هشاشة الوضع السياسي و الإقتصادي ، وكذا تنامي الصراعات الإثنية مما يؤدي إلى غياب الإنتماء الوطني لشعوب المنطقة ،إضافةً إلى ضعف الأداء السياسي وعدم الاستقرار، وتعاقب الإنقلابات في معظم دولها (موريتانيا، الجزائر ، ومالي، وبوركينافاسو، والنيجر – تشاد – السودان- ساحل العاج – ليبيريا – نيجيريا- غامبيا)،وأخطر تلك المعضلات هو الإنتشار الواسع لجميع أشكال الجريمة والعنف ، و تمدد رقعة نشاط الجماعات الإرهابية المتطرفة ، مصطلح منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية ترسخ أكثر في المفاهيم السياسية الدولية مع بدأ إهتمام منظومة مؤسسات الأمم المتحدة بالبحث على تسوية النزاعات المسلحة بين الدول المتجاورة إما على خلفية الاستقطابات الأيديولوجية بين المعسكر الشرقي و الغربي ، أو بسبب النزاعات الحدودية الملغومة التي خلَّفتها القوى الإستعمارية .