الأمن البشري لمنطقة الساحل و الصحراء الإفريقية و ديناميات القوى الفاعلة ، الآفاق المستقبلية لإعادة الصياغة الجيوسياسية في ظل المقاربة المغربية الشاملة (الجزء الثاني)
في الجزء الأول من هذا الملف تناولنا الإمكانيات التنموية الهائلة المتوفرة في منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية الكبرى و الحاجة لرؤية إقليمية بمقاربات إفريقية خالصة لمواجهة التحديات الإقتصادية و التنموية و الأمنية و العسكرية و البيئية التي تهدد الأمن البشري بهذه المنطقة الحساسة والفاعلة في التطورات الجيوإستراتيجية التي يعرفها العالم ؛ يعتبر الساحل و الصحراء الإفريقية الكبرى من بين أكثر المناطق في العالم التي تعرف عدة تفاعلات ذات طبيعة صراعية، سواء بين حكومية أو غير حكومية رسمية أو غير رسمية مما جعله منبعا لمختلف التهديدات الأمنية فلا يكاد يخلو الإقليم من صراعات إثنية و عرقية وحتى دينية تحمل طابع الحرب الأهلية.
فحسب ما تؤكده تقارير الأمم المتحدة و المنظمات المعنية برصد و تتبع المخاطر و مراكز التفكير الإستراتيجي و مراصد البحث المتقدم و تحليل الصراع فإن منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية الكبرى تعج بالعديد من التهديدات و الإضطرابات وأنماط العنف و الجرائم، حيث إن ما يقارب ما بين 30% إلى 40% من تجارة المخدرات الصلبة العالمية تمر عبر هذه المنطقة،كما أنها تشكل ثاني أكبر أسواق الأسلحة الخفيفة في القارة الأفريقية وأحد أهم المسارات العالمية للتهريب وأحد أهم الطرق التقليدية للهجرة الغير الشرعية،حيث تشير تقديرات التقارير الخاصة بمسح الأسلحة الخفيفة التابعة لبرنامج –المعهد الأعلى للدراسات الدولية و التنمية – بجنيف سويسرا IHEID – إلى أن هناك حوالي 100 مليون سلاح خفيف في القارة الأفريقية، وأن ٪ 80 من الأسلحة الموجودة هي نتيجة للصراعات السائدة في منطقة غرب أفريقيا و الساحل و تنتقل هذه الأسلحة إلى دول الجوار مثل الجزائر و ليبيا و مصر و تونس عبر دولتي مالي والنيجر .
التهديدات الأمنية و العسكرية و البيئية المؤثرة في أمن وإستقرار منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية تتمثل في تجارة المخدرات الصلبة و أنشطة التهريب وتجارة و إنتشار السلاح و الإرهاب و الهجرة الغير الشرعية و الإتجار في البشر و عمليات الإختطاف و الإحتجاز و النزاعات الحدودية و الحركات الإنفصالية و التغير المناخي و الكوارث الطبيعية التي تتداخل أسبابها و مسبباتها بنتائجها و تداعياتها فيما يلي سنحاول في هذا الملف الإضاءة هذه العوامل بهدف فهم أكثر للموضوع و إستخلاص النتائج المساعدة على تفكيك المسببات و تقديم قراءة دقيقة للوضع الإقليمي و علاقته بالمتغيرات الآنية التي تطرأ في الإقليم :
تجارة المخدرات الصلبة :
حيث إن ما يقارب ما بين 30% إلى 40% من المخدرات الصلبة تمر عبر هذه المنطقة و يقدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة UNDOC أن نحو 14% من الكوكايين الذي دخل إلى أوروبا عام 2008 مر عبر دول غرب أفريقيا و الساحل حيث تمر مسارات تجارة الكوكايين و المخدرات الصلبة من كولومبيا والبيرو وبوليفيا في أميركا الجنوبية إلى أوروبا والشرق الأوسط من خلال دول بالساحل والصحراء الإفريقية و تعتبر تجارة المخدرات الصلبة من أخطر الأنشطة التي عرفت تطورا ملحوظا في نشاطها بضكل متسارع في العقد الأول من هذا القرن حتى تحولت من أكثر الأنشطة ربحية بالنسبة لباقي أنشطة تجار التهريب في المنطقة هذه المواد المخدرة الصلبة عند وصولها إلى الشواطئ الغربية لأفريقيا تنقل عن طريق الجو أو بواسطة القوارب أو برا عبر دروب الصحراء الإفريقية بالإستعانة بعناصر الجماعات الإرهابية و الإنفصالية كمرشدين و الذين كونوا خبرات مهمة في الطرق و الدروب و المسالك الآمنة البعيدة عن مراقبة قوات إنفاذ القانون كميليشيا البوليساريو الجزائرية الإرهابية التي تتمركز في المناطق الصحراوية الجزائرية إنطلاقا من قواعدها في تندوف ثم تتولى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إيصاله عبر معابر التهريب وممراته في الساحل الإفريقي ، كذلك تنظيم أنصار الشريعة إلى جنوب ووسط وغرب ليبيا و هذا هو الممر الذي يسلكه الكوكايين القادم من أميركا اللاتينية مع تسجيل أن تقارير متعددة أشارت إلى تورط حزب الله اللبناني و حلفاءه من ميليشيا البوليساريو في هذه التجارة المحظورة
كما أن مخدر الهيروين القادم من أفغانستان عبر مسارات من إيران واليمن والصومال إلى موانئ في الساحل الشرقي لإفريقيا حيث توصله عصابات تهريب مسلحة إلى دارفور في السودان ثم تتولى ميليشيات قبائلية ليبية مسلحة إيصاله إلى مدن في ليبيا كالكفرة وتازربو والواحات ( جالو، أوجلة، أجخرة ) لتتسلمه التنظيمات المتطرفة في ليبيا الذي تقوم عناصرها بتهريبه إلى أوروبا عبر موانئ الزويتينة وأجدابيا ودرنة .
التهريب :
تعود البدايات الأولى لنشاط التهريب الدولي في منطقة الساحل الإفريقي إلى إستغلال نظام القذافي لطرق القوافل التقليدية -التي يسيطر عليها الطوارق والقبائل الأزوادية من جنوب ليبيا وحتى شرق موريتانيا وشمال مالي – و إستخدامها لإيصال السلاح والمؤونة والعتاد إلى مرتزقة ميليشيا البوليساريو الإرهابية أثناء حرب الصحراء المغربية.
خلال عقود الثمانينات والتسعينات تحول هذا المسار إلى تهريب السلع الغذائية والبنزين و المساعدات الدولية المقدمة للمحتجزين في مخيمات تندوف من الجزائر وليبيا وبالتالي تحولت مدن غات والقطرون (في ليبيا)، وجانت وتامنراست (في الجزائر)، وأغاديس (في النيجر)، وتازواتن وكيدال وغاو وتمبكتو ومنكي (في مالي) إلى محطات مزدهرة لتجارة السلع والمواد المهربة من الجارتين الجزائر وليبيا و مخيمات الذل و المهانة في تندوف .
مع أحداث العشرية السوداء ( الحرب الأهلية الجزائرية ) و تشديد الدول المحيطة بالجزائر لمراقبة لحدودها و معابرها الحدودية تراجعت هذه الأنشطة لتعود إبتداء من منتصف عقد الألفينات للإزدهار من جديد حيث لازالت ميليشيات البوليساريو تستخدم ممراتها و دروبها داخل الصحراء الكبرى بتواطئ مع الجماعات الإرهابية و الجيش الجزائري لتهريب المساعدات الموجهة للمحتجزين في مخيمات تندوف و إعادة توجيهها للأسواق السوداء في غرب إفريقيا و الصحراء الكبرى .
تهريب السجائر يمثل أكثر الأنشطة المدرة للربح بالنسبة للجماعات الإرهابية و الإجرامية الناشطة في المنطقة حيث أن رقم معاملات تجارة السجائر غير الشرعية في منطقة الصحراء الإفريقية و الساحل يناهز مليار دولار أمريكي، فيما يقدر مكتب المخدرات والجريمة التابع للامم المتحدة UNDOC أن الأفارقة يستهلكون 400 مليار سيجارة يتم شراء 60 مليار منها من السوق السوداء. ومن مجموع السجائر المستهلكة في افريقيا يدخن سكان دول شمال افريقيا ـ تونس والجزائر وليبيا و مالي و موريتانيا – نسبة 44% من الحجم الكلي المستهلك في افريقيا،في تونس السوق السوداء للسجائر تستأثر بـ 42 بالمئة من المعاملات التجارية في سوق التبغ و تبلغ النسبة إلى 18 في المئة من السوق الجزائرية (حوالي 228 مليون دولار) وفي ليبيا وحدها فإن ثلاثة ارباع من السجائر المعروضة في الاسواق والاكشاك هي من السوق السوداء(معهد جنيف) ،علاقة بموضوع تداخل أنشطة تهريب السجائر بالإرهاب تظهر لنا أحد أهم الشخصيات الإرهابية و أحد قادة أهم و أغنى أفرع القاعدة في الغرب الإسلامي مختار بلمختار المكنى بالشيخ مالبورو حيث قاد كتيبة “الملثمون” وبعدها كتيبة “الموقعون بالدم” التي أسسها عام 2012، بلمختار جزائري الأصل ولد عام 1972 في ولاية غرداية تبنى عددا من الهجمات وخاصة في الجزائر وموريتانيا و مالي و جعل من التنظيم الذي يقوده واحدا من أغنى فروع القاعدة بسبب عمليات الخطف للأجانب من أجل الفدية و الإبتزاز من أجل توفير الحماية وتهريب المخدرات والسجائر وكان المختار بلمختار العنصر الرئيسي في هذه العمليات خصوصا تهريب السجائر إلى حد أنه صار يعرف بلقب “السيد مارلبورو “.
تجارة و إنتشار السلاح :
شكل سقوط نظام القذافي بليبيا و إنهيار و تفكك وحدات الجيش الليبي و فتح مخازنه أمام الميليشيات المتحاربة في الميدان عاملا جديدا ذو خطورة عالية، وهو الانتشار غير المسبوق لترسانة أسلحة نوعية و متطورة و متنوعة التي شكلت مصدرا لتسلح الجماعات المرتبطة بالقاعدة و داعش و الميليشيات الإنفصالية و جماعات الجريمة المنظمة في المنطقة.
ليس هناك أي جهة تتوفر على الخريطة الكاملة بشكل مضبوط لانتشار تلك الأسلحة، فعلى سبيل المثال تقدر القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) أن عدد صواريخ أرض- جو (إس – آي 7) السوفياتية الصنع قد يصل إلى عشرين ألفا، بينما أكد تقرير سابق لحلف شمال الأطلسي إختفاء قرابة عشرة آلاف صاروخ أرض-جو لم يتم التعرف على نوعيتها بالتحديد.
كما أفادت التقارير بوجود تداول واسع للعديد من الأسلحة الأخرى، من بينها قذائف صاروخية وصواريخ سكود وصواريخ مضادة للدبابات و الدروع ” كورنيط ” و مضادات جوية وأسلحة أخرى مزودة بشحنات حرارية .
و بالتالي تحولت منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية إلى مرتع لسماسرة بيع الأسلحة المحليين والدوليين كما أنها تشكل ثاني أكبر أسواق الأسلحة الخفيفة في القارة الأفريقية حيث تشير تقديرات التقارير الخاصة بمسح الأسلحة الخفيفة التابعة لبرنامج المعهد الأعلى للدراسات الدولية و التنمية – بجنيف سويسرا IHEID – إلى أن هناك حوالي 100 مليون سلاح خفيف في القارة الأفريقية، وأن 80% من الأسلحة الموجودة هي نتيجة للصراعات السائدة في منطقة غرب أفريقيا و الساحل و تنتقل هذه الأسلحة إلى دول الجوار مثل الجزائر و ليبيا و مصر و تونس عبر دولتي مالي والنيجر .
في نفس السياق عملية نوعية نفذتها المصالح الخارجية المغربية في أماكن دقيقة بثلاث عواصم (طهران – بيروت – الجزائر ) كشفت عن برنامج إيراني لتسليح ميليشيا البوليساريو بأسلحة نوعية من بينها صواريخ سكود 9 و 11 و مضادات جوية بالإضافة لتدريب عناصر من حزب الله اللبناني لعناصر إرهابية من البوليساريو في تندوف على حرب العصابات، وتكوين فرق كوماندوز خاصة وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب تستهدف الأمن القومي للمغرب و السيادة المغربية .
عمليات الإختطاف و الإحتجاز :
إتخذت الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية الكبرى من إختطاف الرهائن الغربيين ومطالبة دولهم بدفع فدية، موردا رئيسيا لتحصيل الأموال بالعملة الصعبة لشراء الأسلحة وتجنيد و تدريب مزيد من العناصر و توفير وسائل التنقل اللوجيستيكية و ذلك عن طريق المساومة على إطلاق سراح سجنائها.
قدرت وزارة المالية الأمريكية في العام 2014، أن أوروبا دفعت 165 مليون دولار للجماعات الإرهابية ما بين 2008 و2013 فقط.
عمليات الإختطاف و الإحتجاز كشفت تورط مرتزقة ميليشيا البوليساريو مع الجماعات الإرهابية حيث وفرت لهم الغطاء اللوجستيكي أو تدخلت بوساطات لفك مختطفين مقابل أموال و هذا ما جعل العديد من مراكز التفكير و الأجهزة الأمنية في العالم تدق ناقوس الخطر للعلاقات المشبوهة بين الحركات الإنفصالية و بشكل خاص البوليساريو و الجماعات الإرهابية و تقاطع و تطابق أنشطتها المتقاربة .
الهجرة غير الشرعية و الإتجار في البشر :
في الوقت الذي تركز فيه مختلف الأبحاث و التقارير الكلاسيكية المهتمة بالهجرة غير الشرعية على رصد عمليات عبور المهاجرين غير الشرعيين لسواحل البحر المتوسط الجنوبية إلى أوروبا، فإن هذه التقارير تغفل حقيقة أن القارة الأفريقية تأتي في صدارة قارات العالم من حيث تدفقات المهاجرين العابرة للحدود داخل القارة، حيث لم تتجاوز نسبة المهاجرين غير الشرعيين في أفريقيا الذين تمکنوا من مغادرة القارة 20%، بينما انتقل 80% منهم عبر الحدود الدولية من دولة أفريقية لأخرى.
أنشطة الهجرة الشرعية أحد أهم الموارد المالية للجماعات الإرهابية.
و هو ما أكد عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس رائد الهجرة الإفريقية في القمة الإفريقية الأوروبية الخامسة في العاصمة الإيفوارية أبيدجان بشكل واضح و مسؤول معتبرا أنه في موضوع الهجرة الإفريقية توجد أربع مغالطات وجب تصحيحها :
– أولا : الهجرة الإفريقية لا تتم بين القارات ، في غالب الأحيان . فهي تقوم قبل كل شيء داخل البلدان الإفريقية ؛ إذ أنه من أصل 5 أفارقة مهاجرين ، 4 منهم يبقون في إفريقيا ؛
–ثانيا : الهجرة غير الشرعية لا تشكل النسبة الكبرى ؛ فهي تمثل 20 % فقط من الحجم الإجمالي للهجرة الدولية . .
–ثالثا : الهجرة لا تسبب الفقر لدول الاستقبال ، لأن 85 % من عائدات المهاجرين تصرف داخل هذه الدول ؛
–رابعا : التمييز بين بلدان الهجرة وبلدان العبور وبلدان الاستقبال لم يعد قائما .
وتشهد القارة الأفريقية مسارات متنوعة لحرکة المهاجرين غير الشرعيين، يمتد أولها من أقصى شرق القارة إلى أقصى غربها، ويمتد الثاني رأسياً من جنوب القارة في اتجاه شمالها، بينما يمتد المسار الثالث من القرن الأفريقي إلى جنوب القارة وخصوصاً جمهورية جنوب أفريقيا، أما المسار الرابع فهو مسار خارجي يأتي بالمهاجرين غير الشرعيين من دول شرق وجنوب آسيا في اتجاه دول الساحل الشرقي لأفريقيا. وفي السنوات الأخيرة أصبحت منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية أحد “المسارات الإجبارية” لتهريب البشر من مختلف مناطق القارة الأفريقية ومن بعض دول جنوب وغرب آسيا نحو أوروبا.
حيث تتراوح عائدات التجارة بالبشر (الهجرة غير الشرعية) بين مليار إلى ملياري دولار أميركي، تحصل منها التنظيمات الجهادية المتطرفة في منطقة الساحل وليبيا على حصة تتراوح بين 500 إلى 700 مليون دولار أميركي.
الإرهاب :
حسب تصريح سابق لوزير الخارجية المغربي السيد ناصر بوريطة في الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش ، الذي عقد بمراكش ماي 2022 بمشاركة ممثلين عن أكثر من 80 دولة ومنظمة دولية يوجد 27 كيانا إرهابيا متمركزا في إفريقيا على قائمة عقوبات مجلس الأمن للأمم المتحدة باعتبارها جماعات إرهابية، وأن أفريقيا جنوب الصحراء سجلت نسبة 48 في المائة من الوفيات بسبب الإرهاب العالمي سنة 2021، و 41 في المئة من إجمالي هجمات تنظيم داعش الإرهابي في العالم تستهدف القارة الإفريقية ، حيث وصل عدد الضحايا إلى 3.461 ضحية و مجموع القتلى بلغ 30 ألف شخصا في هجمات إرهابية في المنطقة على مدى الخمسة عشر عاما الماضية، ونزح أكثر من 1.4 مليون شخص داخليا في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل بسبب المواجهات المستمرة و الأثر الاقتصادي للإرهاب على المجهودات التنموية بخسائر إجمالية تقدر ب 171 مليار دولار أمريكي.
الإجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش – مراكش ماي 2022.
في دراسة “تطور العمليات الجهادية التي استهدفت مصالح غربية في أفريقيا” أنجزتها FDD مؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات” ومركزها واشنطن عن 490 اعتداءاً نفذتها الجماعات الإرهابية في القارة الأفريقية ضد مصالح غربية خلال السنوات العشر الأخيرة ، وبلغت بين سنتي 2012-2017 ما مجموعه 358 اعتداء، مقابل 132 بين 2007 و2011، واستهدفت الاعتداءات في المقام الأول مواقع تجمعات الأجانب، تليها منشآت الطاقة والمعادن والبنية التحتية، ثم الهجمات الشخصية ضد السياح والمقيمين الأجانب، ثم المؤسسات الحكومية والدولية مثل السفارات والقنصليات، وأخيرا منشآت الملاحة الجوية ، من بين تلك الإعتداءات، استهدف 184 هجوماً أماكن يرتادها أجانب، أي بواقع 38 في المئة من الهجمات، فبلغت ما مجموعه 358 اعتداءاً في السنوات الخمسة الأخيرة،. لكنها، مع ذلك، شهدت انخفاضا خلال سنة 2017 .
الإستراتيجيات العسكرية و التكتيكات الهجومية للجماعات الإرهابية عرفت تطورا ملحوظا في الآونة الأخيرة من خلال زيادة الإعتماد على إستخدام الطائرات بدون طيار لأغراض كل من الإستخبار وجمع المعلومات و الإستطلاع والهجوم، وكذلك إستخدام التكنولوجيات الجديدة للقيام بعمليات التمويل كالعملات المشفرة و شراء الأسلحة و المعدات من الأنترنت المظلمة (الدارك ويب)، هذه الجماعات إستعملت أساليب أكثر تطرفا في عملياتها ، وعمدت حركة بوكو حرام في نيجيريا إلى الاستعانة بالأطفال والنساء لمواجهة قوات الأمن التي باتت تكشف انتحارييها بسهولة.
منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية أصبحت تعج بالحركات و التنظيمات و الجماعات الإرهابية و من أبرز هذه التنظيمات التي فرضت نفسها على منطقة الساحل والصحراء الإفريقية خلال السنوات الأخيرة لدينا :
– ميليشيا البوليساريو الإرهابية الجزائرية :
تثبت الأدلة المادية ارتباط ميليشا البوليساريو بتنظيم القاعدة بحيث ينشط أزيد من 100 عنصر من الجبهة في صفوف تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، حسب تأكيدات المكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب . وجدير بالذكر أن الإرهابي عدنان أبو الوليد الصحراوي كان أحد عناصر البوليساريو و قيادي سابق في شبيبتها الذي انضم إلى القاعدة ثم داعش حافظ على التنسيق والارتباط بين البوليساريو والتنظيمات الإرهابية، إلى أن قتلته القوات الفرنسية في غشت2021 .
وبحسب معطيات مراكز دراسات فرنسية حسب مجلة جون أفريك فإن مجموعات صغيرة من الرجال، في حدود 40 أو 60 إلى 300 مائة رجل وصلت إلى تيمبكتو وغاوا بمالي خلال شهر أكتوبر 2012 ، وغالبية هذه المجموعات ناطقون بالحسانية، وهي العربية الدارجة التي يتحدثها “البيظان”.
وفي موريتانيا تم تفكيك خلية تابعة للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، هاجمت السفارة الإسرائيلية في نواكشوط مطلع 2008. وفي النيجر وقعت مواجهة بين كتيبة طارق بن زياد والجيش النيجري في منطقة “تلميس” ديسمبر 2009 وشارك في كل تلك الأحداث صحراويون تلقوا تكوينهم العسكري في المعسكرات التابعة لميليشيا البوليساريو، وجندهم أمراء القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، انطلاقا من مخيمات البوليساريو.
كالحبيب ولد علي ولد سعيد ولد يماني، المعروف باسم عدنان أبو وليد الصحراوي، هو مقاتل إسلامي ينتمي لميليشا البوليساريو وأمير تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، جدير بالذكر أن ميليشيا البوليساريو متورطة في جرائم الإتجار في البشر و تجنيد الأطفال التي ترقى لجرائم ضد الإنسانية كما أن قادتها متورطون في جرائم التهجير القسري و الإغتصاب و التعذيب و القتل و تنفيذ إعدامات ميدانية موثقة بشهادات صادمة .
– جماعة “نصرة الإسلام و المسلمين ” :
في مارس 2017 عقدت أكبر الجماعات الإرهابية الموالية لتنظيم القاعدة كحركة أنصار الدين و القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي و جبهة تحرير ماسينا و تنظيم المرابطون و تنظيم الموقعون بالدم و تعبيرات إرهابية أخرى تحالفا و أسست تنظيما إرهابيا جديدا تحت مسمى : ” جماعة نصرة الإسلام و المسلمين ” أعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تكوينها في شريط فيديو صورته مؤسستها الإعلامية الزّلاقة وأرسل في مارس 2017 إلى وكالة نواكشوط للأنباء حيث ظهر عدة قادة جهاديين في الشريط وهم: إياد أغ غالي (أمير أنصار الدين) وجمال عكاشة (أمير جهة الصحراء ضمن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) ومحمد كوفا (أمير جبهة تحرير ماسينا) والحسن الأنصاري (مساعد مختار بلمختار أمير تنظيم المرابطون) وأبو عبد الرحمن الصنهاجي (قاضي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي). هؤلاء أعلنوا تجمعهم واندماجهم في هيكل واحد، وأعلنوا مبايعتهم لأيمن الظواهري (أمير تنظيم القاعدة) وأبو مصعب عبد الودود (أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) وهبة الله أخوند زاده (أمير تنظيم طالبان). تم اختيار إياد أغ غالي كأمير للتنظيم.
كانت هذه الحركات المسلحة مقربة من بعضها البعض من قبل اندماجها، وكانوا قد نسقوا البعض من عملياتهم. عبر هذا الاندماج، تريد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أن تثبت موقعها كقوة مهيمنة أمام التأثير المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
تشكل الجماعة تهديدا مباشرا لعدة دول، من بينها الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا، إضافةً إلى القوات الفرنسية الموجودة في مالي ( سابقا ) والنيجر.
– كتيبة عقبة بن نافع:
تأسست في تونس في العام 2012 بقيادة “أبوعياض التونسي”
بايع أعضاء المجموعة تنظيم القاعدة وانشق عنهم “جند الخلافة” في العام 2015 في تونس، وهم مجموعة حديثة التأسيس.
كتيبة عقبة بن نافع، تتحصن منذ نهاية 2012 بجبل الشعانبي في ولاية القصرين، وسط غرب تونس على الحدود التونسية الجزائرية، تتهمها الحكومة التونسية بتنفيذ الهجوم على متحف باردو في 18 مارس 2015 والذي أسفر عن مقتل 22 شخص و في 29 مارس 2015، أعلنت الحكومة التونسية مقتل قائد الجماعة لقمان بن صخر في مواجهات مع الجيش التونسي.
جبل الشعانبي على الحدود الجزائرية / التونسية أحد أهم أوكار الإرهاب في شمال إفريقيا .
–أنصار الشريعة في ليبيا :
مجموعة مسلحة تأسست في ليبيا بعد الثورة الليبية و إنهيار النظام الليبي و تفكك وحدات الجيش الليبي حيث سيطرت على أجزاء من مدينة بنغازي الليبية ،من عملياتها الإرهابية البارزة الهجوم الغادر على قنصلية الولايات المتحدة الأمريكية في بنغازي العام يوم 11 سبتمبر 2012 و الذي قتل فيه السفير الأميركي لدى ليبيا كريستوفر ستيفنز وثلاثة من معاونيه.
انضم عدد من مقاتلي تنظيم أنصار الشريعة في بنغازي ودرنة إلى تنظيم الدولة الإسلامية بشرق ليبيا، من أبرزهم محمد الترهوني المكنى بأبي عبد الله الليبي .
الهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي بليبيا – 2012
–حركة أنصار الدين :
حركة شعبية جهادية زعيمها التقليدي إياد أغ غالي وهو من أبناء أسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل الايفوغاس الطوارقية قادت التمرد المسلح ضد القوات المالية في بداية تسعينات القرن الماضي.
بعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق عام 1992 عمل قنصلا عاما لجمهورية مالي في جدة لكنه عاد إلى أزواد واتخذ من سلسلة جبال اغارغا مقرا له وبدا في تجميع المقاتلين الطوارق ليكون نواة تنظيمه الجديد «حركة انصار الدين». لينضم إليه الآلاف من أبناء قبيلته الايفوغاس التي ينتمي إليها وبعض المقاتلين من قبائل طوارقية ، شرع في الثورة المسلحة في إقليم ازواد فجاءت الاستجابة لدعوة اياد غالي مزدوجة حيث تلبي البعد القبلي والقومي الانفصالي لدى الطوارق وتتناغم مع الدعوة الجهادية المنتشرة في المنطقة.
بحلول عام 2012م سيطرت حركة أنصار الدين على مدن تمبكتو وكيدال وغاو وطردت الجيش المالي من إقليم أزواد وأعلنت قيام دولة أزواد الإسلامية وتطبيق الشريعة ومشاركة السلطة مع حلفاءها الحركة الوطنية لتحرير أزواد.
– حركة الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا:
ظهرت الحركة إثر انشقاق قادتها على تنظيم القاعدة، على خلفية رفضها تأسيس كتائب خاصة بالمقاتلين من أبناء القبائل العربية في أزواد أسوة بسرية “الأنصار” التي تضم المقاتلين الطوارق، وأعلنت الحركة عن نفسها في أول بيان لها في أكتوبر 2011 معلنة أن عملياتها ستشمل أكبر قطاع في غرب أفريقيا، وتوصف بأنها “الجماعة الإرهابية المسلحة الأكثر إثارة للرعب في منطقة الساحل الإفريقي ” في أكتوبر 2011 إحتجزت جماعة التوحيد والجهاد، أربع أفراد إسبان وإيطاليين في الجزائر، وطالبت بفدية قدرها 30 مليون يورو لإطلاق سراح هؤلاء الرهائن ، وكان الرهائن قد خطفوا في داخل مخيمات تندوف بتواطئ مكشوف من قيادات في جبهة البوليساريو الإرهابية .
تولى المدعو سلطان ولد بادي -وهو أحد النشطاء العرب سابقا في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي- قيادة حركة التوحيد والجهاد قبل أن يعلن إنشقاقه عنها إثر خلافات مع بعض القادة الآخرين، ويلتحق بحركة أنصار الدين.
وتختلف المصادر في تحديد مجلس قيادة الحركة حيث تشير بعض المصادر إلى أن الجزائري محمد ولد نويمر هو من يقودها، بينما تؤكد أخرى أن الموريتاني حمادة ولد الخيري هو زعيمها، وأن المنتمي سابقا لجبهة البوليساريو عدنان أبو وليد الصحراوي هو المتحدث الرسمي باسمها.
– تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب” :
في يناير 2007 بايع القيادي السابق في الجماعة الإسلامية المسلحة ( الجزائر ) و زعيم تنظيم “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائري عبد المالك دروكدال أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي ليظهر على الساحة العالمية تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ،
الميدان العملياتي الذي ينشط فيه التنظيم يمتد من الجزائر إلى أغلب دول الصحراء الكبرى خاصة في مالي ، لكن نفوذه يمتد إلى جنوب الصحراء ومنطقة الساحل حيث عمل على إستقطاب مجموعات إرهابية صغيرة و تكوين خلايا متنقلة عبر دروب الصحراء الكبرى مرورا بموريتانيا وتونس ومالي بزعامة الإرهابي الجزائري أبو عبيدة يوسف العنابي أو مبارك يزيد و مختار بلمختار .
حسب تقارير فإن التنظيم متورط في عمليات خطف لجنسيات غربية في منطقة الساحل بالإضافة إلى الاستثمارات في مجال العقارات الفاخرة والأراضي وتجارة السلاح والسلع المهربة حيث تدر عليه مبالغ ضخمة .
الهيكل التنظيمي للتنظيم يضم ثلاث مجموعات كبيرة (إمارات) تضم حوالي 12 كتيبة مسلحة ويتألف تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» حاليا من نفس التركيبة التي ورثها من التنظيم السابق «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» لكن قيادة التنظيم قامت بإجراء تعديلات هيكلية حيث يقود التنظيم مجلس الأعيان ، ويلي مجلس الأعيان إمارات المناطق وهي ثلاث في الوسط والشرق والصحراء.
من أهم قيادات التنظيم مختار بن محمد بلمختار المكنى بالشيخ مالبورو بسبب نشاطه البارز في تهريب السجائر و السيارات والمخدرات في الصحراء الكبرى حيث يشرف على شؤون التنظيم في الصحراء الكبرى على الحدود مع كل من مالي والنيجر، وهو زعيم كتيبة الملثمين في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومؤسس كتيبة الموقعون بالدماء.
تنظيم القاعدة في الغرب الإسلامي أحد أهم الجماعات الإرهابية في الصحراء الكبرى .
–ولاية سيناء ( داعش ):
وهي حركة إرهابية مسلحة في سيناء المصرية، تشكلت في العام 2011، وكان اسمها “أنصار بيت المقدس” تغير إسمها في أواخر العام 2014 بعد مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية حيث تمارس أنشطتها ضد الجيش المصري في سيناء و خارج سيناءو لديها إرتباطات وثيقة مع جماعات إرهابية في ليبيا و السودان .
–تنظيم داعش( الصحراء الكبرى ) :
شكلت منطقة القرن الإفريقي مدخلا لتنظيم داعش الإرهابي منذ عام 2015، وتحديدا الصومال وليبيا ودول حوض بحيرة تشاد.
لكن داعش وسّع نشاطه في الساحل الإفريقي، خاصة في مالي وبوركينا فاسو، إضافةً إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية. وبعض الخلايا النائمة في تونس ، كما شكلت الأراضي الليبية حاضنة قوية للتنظيم خاصة بعد الضربات التي تلقها في سيناء و في معاقله التقليدية بالشرق الأوسط ( سوريا – العراق ) .
تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (IS-GS) هي فرع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الصحراء الكبرى ينشط في مالي النيجر وبوركينا فاسو تأسس في مايو 2015 نتيجة للانقسام داخل جماعة المرابطون المسلحة. حيث بايع أحد زعمائها عدنان أبو وليد الصحراوي ( قيادي سابق في جبهة البوليساريو) أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية وقتها.
في ديسمبر 2015 بايع حوالي 100 مقاتل تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى وزادت صفوف الجماعة بعشرات من المقاتلين الماليين .
في 28 نوفمبر 2019 أصدرت السلطات الإسبانية تحذيراً من إحتمال وقوع هجوم مسلح في المنطقة ضد مواطنين إسبان يزورون أو يعملون في مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف في الصحراء الكبرى.
– بوكو حرام :
بوكو حرام أو جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد التي غيرت إسمها بعد مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى ولاية غرب أفريقية والمعروفة بالهوساوية باسم بوكو حرام أي «التعاليم الغربية حرام»، هي جماعة إسلامية نيجيرية سلفية جهادية مسلحة تتبنى العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ولايات نيجيريا.
القائد الحالي لها هو أبو مصعب البرناوي أحد أبناء مؤسس الجماعة حبيب يوسف و قد عينه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والي ولاية غرب أفريقيا في 4 أغسطس 2016، خلفًا للوالي السابق أبي بكر شيكاو، وسميت هذه الجماعة بطالبان نيجيريا وهي مجموعة مؤلفة خصوصاً من طلبة تخلوا عن الدراسة وأقاموا قاعدة لهم في قرية كاناما بولاية يوبه شمال شرقي البلاد على الحدود مع النيجر.
وفي مارس 2015 قبلت داعش بيعة بوكو حرام التي كانت قد أعلنت بيعتها في بداية الشهر، وذلك بعد بث شريط صوتي على الشبكة العنكبوتية.
النزاعات الحدودية و الحركات الإنفصالية :
ورثت الدول الإفريقية بشكل عام و دول منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية عن القوى الاستعمارية ،حدودا رسمت بشكل قسري دون الاستجابة الى التركيبة السكانية و الجغرافية أو المسار التاريخي و الديني للدول مما جعل هذه الحدود تشكل بؤر توتر بين بلدان المنطقة أدت إلى وضع أمني و عسكري هش و متوتر إنعكس على قضية السلم و الأمن في المنطقة الإفريقية بصورة عامة بالإضافة إلى علاقات مهتزة و متوترة و ضعيفة بين مختلف الدول، مما جعل القارة الإفريقية تحتل مراتب متأخرة في سلم الإستقرار و التنمية والأمن الشامل بكل مكوناته.
تفاقمت الصراعات والنزاعات بسبب الحدود التي فشلت دول المنطقة ومنظماتها القارية في إحتوائها بالطرق السلمية،عبر الوساطة و التحكيم الدولي و التي أدى فشلها للإنزلاق نحو العنف و الحلول العسكرية التي بقيت مهيمنة على الساحة الإفريقية لتسوية معظم هذه النزاعات مما أدى إلى تهديد السلم والأمن في منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية .
إستغلت الحركات الإنفصالية الهشاشة الأمنية لدول الساحل و الصحراء الإفريقية لتربط علاقات وثيقة مع التنظيمات الإرهابية لتتداخل مصالحهم التجارية حيث تستخدمها التنظيمات الإرهابية كمورد للسلاح و كقواعد خلفية لإستقرار أسر الإرهابيين الناشطين في الصحراء الكبرى ( مخيمات تندوف تستقر فيها عائلات الصحراويين المنتسبين للقاعدة و داعش ) .
فالمتتبع لتطور الحركات الانفصالية في جنوب الجزائر ، والتي هي في الحقيقة حركة واحدة بدأت تتطور وتتطرف من مستوى إلى آخر. ففي البداية، ظهرت ”حركة أبناء الصحراء”، ثم تطورت إلى ”حركة المواطنة من أجل أبناء الصحراء”، ثم أصبحت ”حركة الصحراء من أجل العدالة”، وآخر تطور في هذه الحركة الانفصالية هو إضافة كلمة ”الإسلامية” على التسمية، لتصبح ”حركة الصحراء من أجل العدالة الإسلامية”.
في 2021 وبداية 2022 عرفت تشاد ومالي وغينيا وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية، مجموعة من الإنقلابات قادتها عناصر من الجيش بتنسيق مع مجموعة من الحركات المسلحة التي تقف وراءها منظمات إنفصالية إستفادت من الفراغ الأمني و المؤسساتي الذي تخلفه الإنقلابات العسكرية عادة لإعادة التموقع و التمركز و الإنتشار السياسي و العسكري .
مثلا دولة مالي عانت و لازالت تعاني من النزاعات الإنفصالية خاصة في إقليم أزواد في شمال البلاد حيث عمليا تسيطر قبائل الطوارق على أقاليم واسعة في شمال البلاد من خلال مجموعات مسلحة عسكرية كالمجلس الأعلى لوحدة أزواد -الحركة الوطنية لتحرير أزواد – الحركة العربية الأزوادية -الحركة الشعبية لتحرير أزواد – حركة تحرير تمنراست و أدرار و تنظيمات أخرى التي تتقاطع أنشطتها مع الجماعات الإرهابية في الصحراء الكبرى خاصة تهريب الأسلحة و الإتجار في البشر من ليبيا و الجزائر .
نفس الوضع تعيشه ميليشيا البوليساريو الإرهابية التي هي حاليا في مرحلة تحول جذري نحو الفكر المتطرف خاصة بعد تحرير و تأمين معبر الكركرات الحدودي و التطورات الجيوسياسية التي عرفتها قضية الوحدة الترابية بالمملكة المغربية .
التغير المناخي :
حسب دراسات و تقارير أكاديمية تؤدى التغيرات المناخية وما يصاحبها من إرتفاع درجات الحرارة، وحالات الجفاف، وهطول الأمطار، والصراع على الموارد إلى تصاعد كبير في حدة الصراعات المسلحة، الأمر الذى قد يتحول لحروب أهلية تؤدي تداعياتها لتطال الاستقرار الداخلي و الأمن البشري بمفهومه الشامل .
فلا شك أن التغيرات المناخية قد تتسبب فى تفاقم عدم الاستقرار، فضلا عن تنامى الاضطرابات الاجتماعية، وغياب قدرة الدولة على توفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيها ، و قد تتسبب هذه العوامل فى إزدياد حالات الإحتقان الشعبي ضد السياسات الحكومية، و بالتالي زعزعة الاستقرار العام ونشوب مزيدٍ من الصراعات.
يمكن أن تساهم التغيرات المناخية فى إشعال فتيل الصراعات و النزاعات المستقبلية في الساحل و الصحراء الإفريقية حيث يدفع البعض بأن الصراعات القادمة ستكون صراعاتٍ وحروب مناخية بالدرجة الأولى، الأمر الذى يمكن أن يساهم فى تأجيج الصراعات لتأخذ نمطا مغايرا عن الصراعات التقليدية الحالية .
ويمكن ملاحظة هذا النمط من التأثير فى عدد من الصراعات، يأتى فى مقدمتها الصراع الممتد في شمال نيجيريا بين الرعاة البدو والمزارعين على الموارد.
في تقرير سابق لـ مجموعة الأزمات الدولية (ICG) تؤدي أعمال العنف في نيجيريا بين الرعاة المتنقلين و المزارعين المستقرين إلى عدد من القتلى بأكثر من ست مرات من تسببت بقتلهم عمليات إرهابية و عنف مسلح لجماعة بوكو حرام الإرهابية .
هذا الصراع تسبب فى مقتل أكثر من 3600 شخص خلال ثلاثة أعوامٍ فحسب.بين 2012 و 2015 كما بلغ هذا الصراع ذروته فى النصف الأول من العام ذاته، ليسجل ما يزيد على 1300 ضحية.
أزمة بحيرة تشاد نموذج صارخ لعلاقة الإرهاب و الصراعات الأمنية بالتغيرات المناخية و قد أكدت عددٌ من التحليلات إرتباط جذور الصراع فى دارفور بالسودان بالتغيرات المناخية؛ فى ظل إنخفاض هطول الأمطار بنسبة 30%، وتراجع الإنتاج الزراعي بنسبة 70%، وإرتفاع درجة الحرارة بنحو 1.5 درجة.
نفس النتيجة عبر عنها مجلس الأمن بالقرار رقم 1249 فى مارس2017 ،وهو القرار المتعلق بالصراع فى بحيرة تشاد فقد أقر القرار آنذاك بأن التغيرات المناخية تعتبر عاملا مساهما فى عدم الاستقرار ومن ثَمَّ نشوب الصراع الذي إندلع بين قوات الجيش والجماعات المسلحة في منطقة بحيرة تشاد في شمال شرق نيجيريا في عام 2009 ، وقد إمتد منذ ذلك الوقت إلى الكاميرون وتشاد والنيجر المجاورة، مسببًا أكبر أزمة إنسانية في إفريقيا.
فقد زاد عدد النازحين داخليًّا بشكل كبير خلال الخمس سنوات الماضية في بلدان منطقة الساحل ، ويرتبط هذا الوضع بظهور عدد كبير من الجماعات المسلحة والإرهابية ولا سيما في مالي والنيجر وبوركينا فاسو و الجزائر.
ويربط معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي في كتابه السنوي المعنون بالتسلح ونزع السلاح والأمن الدوليما بين المناخ والنزاع العنيف لسنة 2017 حيث يؤكد أنه : “تبرز الصلة بوضوح في النزاعات التي ينخرط فيها رعاة المواشي، وتظهر دراسة الحالة أن هذه النزاعات المحلية على الموارد تتحوّل الى صراعات شديدة على السلطة مرتبطة بحرب أهلية في بعض الأحيان. لكن ذلك لا يعني أن تغيّر المناخ يشعل نزاعاً عنيفاً بشكل تلقائي، إذ أن السياق السياسي والإجتماعي والإقتصادي هو الأساس غالباً حيث حدد أربعة آليات مترابطة تفسّر سبب تعاظم خطر النزاع العنيف في الساحل الإفريقي هي : -تدهور أوضاع المعيشة،- الهجرة وأنماط الحركة الرعوية المتغيرة، -إعتبارات تكتيكية للجماعات المسلحة، -إستغلال النخبة للمظالم المحلية”.
أخيرا تشهد إفريقيا و بشكل خاص منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية حالة إستقطاب حاد و صراع جيو إستراتيجي مرتفع الترددات بين القوى العالمية و الإقليمية بسبب مصالح لها إرتباط بالوضع العالمي و بقربها النسبي من كل المناطق الفاشلة أمنيا ، مما يحولها لملتقى دولي تتقاطع فيه المصالح السياسية و العسكرية و الإقتصادية و حلبة مفتوحة لتنافس المحاور و القوى العالمية خاصة و أن المنطقة أصبحت لها أهمية بمكان في ظل بروز بوادر تشكل نظام عالمي جديد مغاير لما أفرزته مرحلة مابعد الحرب الباردة و الحرب على الإرهاب و الخريف العربي بتداعياته الإقليمية و الدولية على السلم و الأمن العالمي و أزمة جائحة كورونا و نتائجها المدمرة على الإقتصاد العالمي وجهود التعافي المبذولة من طرف كل القوى العالمية و هذا ما يفسر الصراع العالمي على المناطق الفاعلة في السياسة و الإقتصاد العالمي وأهمها منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية الكبرى .
حيث قام كل طرف بتنزيل إستراتيجية لفرض أجندته الخاصة المرتبطة بسياساته الخارجية للهيمنة على مناطق النفوذ و الثروات في القارة إنطلاقا من سياسات جيوسياسية براغماتية في المقابل نجد كما أن القوى الإقليمية الصاعدة أهمها المملكة المغربية تسعى في ظل هذا التنافس العالمي المحموم إلى خلق نوع من التوازن من خلال الحفاظ على إستقلالية و سيادة قرارها الوطني في ظل قيم الإنفتاح و التكامل حيث تحاول المملكة العمل وفق أجندة إفريقية ذات أبعاد إنسانية و تنموية شاملة تهدف لإعادة الصياغة الجيوإستراجية في ظل مقاربة إفريقية خالصة و العمل على أفرقة الحلول المطروحة للأزمات و المشاكل بشكل يتناسب و تطلعات و طموحات الشعوب الإفريقية في التنمية و الحرية و الإزدهار .