يونس زهران أروى بريس
في الوقت الذي كانت تستعمر اسبانيا الجنوب المغربي و فرنسا الصحراء الشرقية للمغرب ، لم يكن يخطر ببال المغاربة أن هاتين الدولتين غير موثوق فيهما و لا يمكن بأي حال من الأحوال الثقة فيما يقولان . لأن سلوكهما أثبتا عكس ما كانا يصرحان به قبل خروجهما من المغرب .
ففرنسا خرجت و لم تكمل للمغرب كامل ترابه ظنا منها أن الجزء المغربي الذي ضمته إلى الأراضي الجزائرية لم يعد مغربيا و ما الجزائر إلا فرنسا الجنوبية كما كان المستعمر الفرنسي يتوهم ، و هذه الشراهة في التهام أراض غير جزائرية جعلت دولا حدودية مع فرنسا الجنوبية تفقد أراضيها و لم يتم تعويضها لاحقا و منها المغرب .
أما إسبانيا ، فعندما خرجت من الجنوب المغربي لم تستسغ أن تخرج بتلك الطريقة المهينة من الصحراء المغربية بعد زحف المتطوعين في المسيرة الخضراء بدون سلاح و عتاد حربي . و هو ما جعلها تؤيد المرتزقة الانفصاليين و تتلكأ في الإعتراف بمغربية الصحراء ، رغم أنها تعلم علم اليقين أنها مغربية . لكن حقدها الدفين تجاه المغرب يجعلها تختلق العديد من العراقيل ليبقى الحال في حال نزاع دائم .
بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء و مساندة قوى كبرى ( اسرائيل ، بريطانيا ، ألمانيا ) و الدول الخليجية لمغربية الصحراء و الحكم الذاتي فيها ، بقيت اسبانيا تقفز على حبلين لا هي مع المغرب و لا هي ضده . فقط تريد مكاسب اقتصادية و تجد فيقضية الصحراء ضالتها لتبتز الأطراف المتداخلة للنزاع . لكن المغرب تفطن لألاعيبها و تيقن أنها شريك غير موثوق فيه و حليف خائن و التعامل معه بحذر هو الحل . و لهذا قام المغرب بإجراءات للحد من غطرسة اسبانيا و أرجعها إلى حجمها الحقيقي لتكتشف هي من تلقاء نفسها أن المغرب كان حليما مع تصرفاتها الطائشة ، لكن السيل بلغ الزبى .
و لردها عن غيها ، كانت هناك حزمة من الإجراءات أقدم عليها المغرب و منها إغلاق الحدود في وجه التهريب الذي كانت تقتات منه حكومة مدريد في سبتة و مليلية و كان هو قاطرة الاقتصاد الجنوب الاسباني ، الذي أصابه الركود التام و الشلل بسبب قطع المغرب عنه صنبور الرواج .
هذا الإجراء جعل الحكومة الاسبانية ترتمي في حضن الجارة الشرقية التي وجدت في مدريد الحضن الدافئ بعدما لفظتها باريس و داقت درعا بتصرفاتها الطائشة أو بالأحرى تصرفات جنيرالاتها التي وجدت فيهم مدريد ضالاتها من حيث الاسهال المادي ، شريطة التحالف معهم ضد المغرب . و هذا التوجه دفعت اسبانيا كلفته غاليا و مازالت تدفع ، حتى أصبحت مدينتي سبتة و مليلية عالة على الدولة الاسبانية مما جعلها تطلب معونات من الاتحاد الاوروبي لسد نفقات الثغرين . لكن الأزمة طالت حتى الجنوب الاسباني و مازالت تتمدد و هو ما ينذر بأزمة اقتصادية وشيكة على اسبانيا لن يستطيع معها الاتحاد الاوروبي ان يدعمها ماديا أكثر .
تصرفات الحكومة الاسبانية هي تصرفات طائشة ، فعندما غاب السياسيون المحنكون الذين كانوا يعرفون كيفية احتواء الأزمات و تقريب وجهات النظر بين الرباط و مدريد . طفت على السطح أحزاب مراهقة لا تجربة سياسية لها و تخوض في ملفات أكبر منها و من مستواها السياسي . و لهذا تجد الحكومة الاسبانية تتخبط في كل ملف تواجهه و لا تعرف للحل سبيلا غير مزيدا من الاحتقانات و فقدان حلفاء و شركاء استراتيجيين سيجعل منها شبه دولة على ضفاف الأبيض المتوسط .
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.