عدنان مخلص – أروى بريس
عثمان بوحسيني وزوجته نجلاء وثلاث أبناء لا يتجاوز أكبرهم السبع سنوات،هم عبارة عن أسرة رياضية موهوبة داع صيتهم بشكل كبير بشوارع مدينة القصر الكبير، قبل أن يستقروا في الآونة الأخيرة بمدينة طنجة،بعدما وجدوا بهذه المدينة فضاءات أرحب لتقديم عروضهم وترحيبا من أهلها وإعجابا كبير ب “شو” الذي يقدمونه من قبل زوارها،سواء المغاربة أو الأجانب منهم.فبفعل اللمسة الخاصة التي تطبع عروض الأسرة،والتي أضافت رونق خاص على شوارع هذه المدينة السياحية الجميلة،وأصبحت تجذب جمهور واسع لمتابعتهم كل مساء وخلال نهاية كل أسبوع من أجل الإستمتاع بما يقدمونه من من لوحات فنية رياضية تتميز بالخفة والحركات الأكروباتية المثيرة التي تجمع مختلف أفراد الأسرة،وتحظى بإعجاب و تصفيقات المتابعين حيث يساهم معظمهم في دعم هذه الأسرة على مواصلة مشوارها من خلال بعض الإسهامات المادية التي تشكل مصدر رزقهم الوحيد.وفي حوار لنا مع عثمان بوحسيني رب الاسرة،يحكي لنا كيف بدأ تعلقه وعشقه لرياضة منذ صغر سنه إلى الآن،وهو البالغ اليوم من العمر 35 سنة،حيث يعتبرها جزء لا يتجزأ من حياته،كاشفا لنا عن العديد من الإنجازات الرياضية التي حققها طيلة مساره، فبالإضافة إلى تميزه في رياضة الجمباز فهو حاصل على الحزام الأسود في رياضة الأيكيدوا،مؤكدا لنا أنه حاول مرارا وتكرارا فتح مشاريع رياضية بمدينته بالقصر الكبير ،من أجل تأطير الأطفال وحثهم على ممارسة الرياضة،بهدف وضعهم في الطريق الصحيح، وتجنيبهم الوقوع في براثين الإدمان والجريمة والتطرف،لكن صعوبة الإستثمار في هذا المجال وغياب أي دعم من الجهات المسؤولة حال دون نجاحه.ويواصل بطلنا الحديث حول الإكراهات التي واجهها ولازال يواجهها كرياضي من أجل الإستمرار في هذا المسار، على إعتبار أن الحفاظ على لياقته البدنية يفرض عليه التمرن بشكل دائم ومستمر مما يصعب عليه الاشتغال في أي مجال خارج الإطار الرياضي،وهو الشيء الذي دفعه لممارسة فن الشارع لكسب قوته اليومي وحفظ كرامة أسرته،التي من حيث لا يدري نقل لها شغفه بالرياضة وعشقه لتأطير والتكوين، ليثبت للجميع أنه قادر على صناعة الأبطال،الشيء الذي تحقق فعلا من خلال أبنائه الثلاث محمد،إلياس،رضى الذي يبلغون على التوالي سبع سنوات،خمس سنوات،وسنتين ونصف، ثم زوجته نجلاء التي وجدت نفسها كذلك في هذا الميدان ليشكل أفراد الأسرة الخمس فريق متجانس يصنع البسمة والفرحة بعدد من الشوارع من خلال عروضهم الرائعة والتي تحمل بين طياتها رسائل إجتماعية تؤكد على تماسك الأسرة من خلال الركيزة الأساسية لها وهي الأم.ورغم أن هذه العروض تعد مصدر الرزق الوحيد للأسرة،فإن عثمان يؤكد على أن هدفه الأسمى هو تقريب الفرجة لمختلف شرائح المجتمع، بدون أي إجبار على دفع مقابل مادي من أجل حضور عروضه أو رغبة منه في الإستجداء،حيث يضع قبعة أثناء القيام بعرضهم ليساهم من إستطاع وفق قدرته من دون أي طلب مباشر للنقود من الجمهور المتحلق حوله.وقد أبرز المتحدث أنه رغم الصعوبات والتضييقات التي يعانيها رفقة أسرته في العديد من المرات بسبب تدخل رجال السلطة المحلية لمنع عروضه المفتوحة في وجه العموم،بدعوى عدم حصوله على رخصة لإقامة هذه التجمهرات.إلا أنه جد سعيد من اللحمة التي صنعتها ممارسته لفن الشارع مع أفراد أسرته الصغيرة،حيث أصبحت مصدر سعادة لهم،فرغم شح العائد المادي منها،فهم يقضون معظم الوقت مع بعضهم البعض، ما ينعكس بشكل إيجابي على نفسيتهم ونفسية أطفالهم الذين وجدوا شغفهم ومتعتهم في هذه الممارسة الرياضية،مشيرا إلى حرصه الكامل على أن يحقق أطفاله ما فشل هو فيه، من خلال حثهم وتوجيههم لعدم الوقوع في الأخطاء التي ارتكبها،متمنيا في نفس الوقت أن يستطيع تحقيق الأفضل في القادم من الأيام من خلال المشاركة في برامج أو تظاهرات وطنية ودولية لإبراز موهبة أسرته على نطاق واسع.من جهتها أكدت الزوجة نجلاء على أنها تتلمذت بدورها على يد زوجها لتصبح عضوة ضمن مجموعة “سيرك فاميلي” وأن ممارسة فن الشارع مكنها من التواجد مع أسرتها بشكل دائم لتحقق بذلك إشباعا نفسيا أخرجها من الرتابة والروتين اليومي الذي كانت تعيشه سابقا،لافتتا الانتباه لقدرة ونجاح زوجها في التأطير والتكوين،ومتمنيتا أن يجد هذا الأخير الأيادي البيضاء لحمل مشروعه الرياضي والأخد بيده من قبل المسؤولين لتوفير فضاء صالح لنقل معرفته وخبرته لأبناء المغاربة قاطبة وليس أطفاله فقط.تجدر الإشارة أن فن شارع مصنف من طرف منظمة “اليونسكو” كتراث إنساني مشترك،وعلى الرغم من أنه يحتفى به في الغرب وتنظم له مهرجانات وتظاهرات كبرى ويتم الترويج لنجومه كفنانين داخل المجتمعات المتقدمة،فإن أغلب المدن المغربية لا تعرف فن الشارع إطلاقا،ويعاني ممارسوه من تضييقات لا معنى لها،وتعقيدات أمنية وقانونية تمنعهم من مزاولة فنهم بشكل سلس وأكثر أريحية،عوض تقديم الدعم والمساندة والتسهيلات اللازمة لممتهنيه ليمارسوه بشكل قانوني ومنظم،ففنان الشارع مثله مثل أي فنان يعرض فنه في المسرح وفي التلفزيون وفي وسائل أخرى،بل أنه أكثر تأثير من أي فنان آخر، فهو يساهم بشكل عادل في نشر الفرحة والمتعة بين الناس، وتقريب الفن من المواطن وجعله أكثر احتكاكاً به.ففنان الشارع في الأخير يستحق أن يعيش من فنه وإبداعاته ولا علاقة للأمر بظاهرة التسول من قريب أو بعيد.