أروى بريس
فجرت جريدة «لوموند» الفرنسية فضيحة من العيار الثقيل تورط الاستخبارات الفرنسية (بشكل مباشر) في تحريض الشعب الليبي على الإنقلاب على نظام حكم القائد معمر القذافي، كما أنها كانت وراء الرصاصة التي قتلته، وكادت أن تخطف روح ابنته.
و تناولت الجريدة الفرنسية حدث الانقلاب في عدد 4 من يناير 2023، وتحديدا أثناء فترة الانقلاب عليه، حيث أكدت مصادر «لوموند» ضلوع الاستخبارات الفرنسية في تقديم مساعدة «قوية» للشعب الليبي بغية تحقيق «إنقلاب ناجح» على حكم القائد الليبي «معمر القذافي».
وأفادت الجريدة فيما يخص محاولة اغتياله، تمكنت الإستخبارات الفرنسية من تجنيد مجموعة من الجواسيس الليبيين لصالحها، و هم من قدموا معلومات «حساسة» و»حاسمة» لإنجاح الخطة الفرنسية في ليبيا، أبرزهم كان «رامي العبيدي» (منسق الاستخبارات الخارجية السابق في المجلس الوطني الانتقالي الليبي) الذي ذكر في إحدى خرجاته الإعلامية (تعود لسنة 2012) أن «عملاء فرنسيين أعدموا القذافي مباشرة». مضيفا أن ذلك تم «بعد رجمه من قبل الناس في 20 أكتوبر 2011، إذ يقال إن الهجوم السابق على موكبه تم تنسيقه من قبل الإستخبارات الفرنسية، بناء على أوامر من الإليزيه».
و كشفت «لوموند» مشاركة الحكومة الإليزيه والرئيس الفرنسي الأسبق «نيكولا ساركوزي»، كانت ضرورية للإطاحة بالرئيس الليبي عبر الإنقلاب عليه واغتياله. من بين الأسباب الأخرى (التي يحيط بها الجمهور علما و أدت لهذه العملية الحاسمة التي قال عنها «رامي العبيدي» أنها كانت معدة مسبقا)، أن معمر القذافي كان يطمح منذ سنة 2009 إلى إحداث «عملة إفريقية» موحدة وخاصة بالقارة، كانت ستسمى بـ»الدينار الذهبي الإفريقي»، وتهدف إلى «تحويل عائداتها (ليبيا) النفطية إلى الصناديق التي تسيطر عليها الدولة بدلا من البنوك الأمريكية، أي وبالمختصر، التوقف عن استخدام الدولار في معاملات النفط، وقد أبدت «مصر» و»نيجيريا» و»تونس» و»أنغولا» إستعدادها لتبنيها».
بالنسبة للإليزيه والإستخبارات الفرنسية، كان من الضروري الإطاحة بمعمر القذافي بأي ثمن كان.. حينها، أكد رامي العبيدي جوابا على السؤال التالي: «هل تعتقد أن اغتيال القذافي مرتبط بتهديداته بفضح فساد ساركوزي؟»، قائلا: «.. لا بد أن التهديد بالكشف عن تمويل حملة ساركوزي في الفترة 2006-2007 أخذ على محمل الجد، لدرجة أن أي شخص في قصر الإليزيه تمنى موت القذافي في أقرب وقت ممكن. لنتذكر أن القذافي أهان ساركوزي بعدم احترام معظم عقود الأسلحة والطاقة الموقعة في مذكرة التفاهم الشهيرة بقيمة 10 مليارات يورو خلال زيارته التاريخية إلى باريس (في دجنبر 2007)».
وللتذكير، فإن تمويل الحملة الإنتخابية لساركوزي بلغ حينها رقم 50 مليون يورو.
لم تستثن الأجهزة الأمنية الإستخباراتية الفرنسية، في حملتها للقضاء على القائد الليبي أحد من عائلته. إذ يقال بحسب الوثائق المسربة، أن قادة وحدات النخبة (أعضاء الكوماندو المسؤولين عن اغتياله بشكل مباشر) قد أعطيت لهم الأوامر أيضا لتصفية نجله ووريثه «سيف الإسلام القذافي»، إلا أنهم وخلال التوجه لتنفيذ المهمة، التقوا بقائد (كوماندو) سابق في القوات الروسية كان هناك بغرض تهريبه، في مهمة لم تسر كما خطط لها الفرنسيون، لكون الفريقين الروسي و الفرنسي قد دخلا في إشتباك مباشر أدى إلى مقتل 3 أفراد من الفريق الفرنسي.
إن تحركات الجهات الفرنسية برئاسة قصر الإيليزيه، أدت كما يعتقد الكثير من المحللين والمختصين، وخاصة مع فشل القوات الاستخبارية الفرنسية في مهمة القضاء على وريث القذافي الأقوى، إلى مجموعة من التخبطات والهفوات والزلّات الأمنية والاستخباراتية والسياسية الخارجية لفرنسا، من أبرزها وضع ليبيا «المتأزم» و»غير المستقر» منذ الإطاحة بنظام حكم معمر القذافي وحتى الآن، والتي تتحمل فيها فرنسا المسؤولية الأكبر عن سوء تدبيرها الداخلي والخارجي وعجزها عن تقديم أية مساعدة لهذا البلد الذي تسببت في خرابه بشكل مباشر، وذلك لإخفاء ما أقدم عليه «نيكولا ساركوزي» من طيش أثناء فترة حكمه كرئيس لفرنسا، وأيضا للتغطية على ما شاب الحملة الانتخابية الرئيسية من تمويلات خارجية بمبالغ يصعب تخيلها، فضلا عما كان يقع خلال فترات الرحلات المباشرة لزوجة الرئيس ساركوزي إلى ليبيا.
وإذا علمنا أن معمر القذافي كان على علاقة طيبة بمجموعة من الطوارق من مالي، الذين حاربوا الى جنبه ك»مرتزقة» لمدة طويلة، فإن فرنسا تمكنت من تجنيدهم لصالحها، من خلال إغرائهم بـ»منحهم «الاستقلال» لمنطقة شمال مالي التي يطمحون لها منذ سنوات كثيرة، مقابل التخلي عن دعمهم للقذافي لصالح تحقيق هذا الوعد. إذ أخبرتهم فرنسا «نحن نعلم أنكم لستم على وفاق مع جنوب مالي».
بعد وقوع القذافي، تم ترحيل هؤلاء المرتزقة (رفقة أسلحتهم) صوب شمال مالي، ليتفاجئوا هناك بكون «الجهاديين» قد استحوذوا على جزء كبير من المنطقة التي وعدهم بها الفرنسيون مسبقا، وأن كل هذه الترتيبات كانت بغرض توفير رقعة لاستقرار تنظيم القاعدة في المنطقة.