د. خالد الشرقاوي السموني ، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية
شكل القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 31 أكتوبر 2025 محطةً تاريخية غير مسبوقة في مسار تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. فلأول مرة، يعتمد المجلس بشكل صريح مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، التي تقدم بها المغرب سنة 2007، باعتبارها الأساس الواقعي والعملي الوحيد للمفاوضات الرامية إلى إيجاد حلّ سياسي نهائي ومستدام لهذا النزاع.
يعتبر هذا القرار منعطفا تاريخيا و يشكل تحولا نوعيا في مسار تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية ، كما يأتي ليؤسس لمرحلة جديدة في إدارة الملف، تختلف جذريا عن القرارات السابقة التي كانت تكتفي بالإشارة إلى “مصداقية المقترح المغربي”، دون تبنيه كمرجعية حصرية للمفاوضات. وبهذا، يكون مجلس الأمن قد أقرّ بتحول نوعي في منهجية الأمم المتحدة تجاه القضية، من خلال ترسيخ مقاربة تقوم على الواقعية السياسية والشرعية الدولية.
و يمكن استخلاص عنصرين أساسيين على ضوء قرار مجلس الأمن ، نذكرهما فيما يلي :
1- الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر جدوى
أعاد مجلس الأمن، من خلال قراره، التأكيد على تفوق وجدية ومصداقية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، معتبراً إياها الإطار الأنسب لتجسيد الحل السياسي الذي طال انتظاره. فقد جاءت المبادرة المغربية لتؤكد استحالة تطبيق مبدأ تقرير المصير في صيغته التقليدية، الذي طالما استُعمل من قبل بعض الأطراف، ولا سيما الجزائر وجبهة البوليساريو، لتأبيد النزاع وعرقلة جهود التسوية.
ومنذ تقديمها في 11 أبريل 2007، حظيت مبادرة الحكم الذاتي بدعم متزايد من أعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي، لما تتسم به من واقعية وتوافقية، ولما تقدمه من ضمانات قانونية وسياسية تحفظ للسكان المحليين تدبير شؤونهم ضمن إطار سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية.
لقد أكد القرار الجديد بوضوح أن الحكم الذاتي الحقيقي في إطار السيادة المغربية هو الحل السياسي الأكثر قابلية للتطبيق، وهو ما يعكس اقتناعا أمميا راسخا بأن هذا الخيار وحده قادر على تحقيق تسوية نهائية وعادلة ودائمة للنزاع المفتعل حول الصحراء.
وهكذا أصبحت مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في 11 أبريل 2007، الأساس الأكثر مصداقية لحل عادل ودائم للنزاع، وأن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر جدوى. و لذلك ، فإن مجلس الأمن ، باعتباره الهيئة التنفيذية العليا للأمم المتحدة ، كان واضحا للغاية في هذا الصدد ، عندما أكد صراحة في قراره ، على صدقية و جدية مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، كحل سياسي واقعي، عملي وتوافقي ، وهو ما يعكس اقتناعا أمميا راسخا بأن هذا الخيار وحده قادر على تحقيق تسوية نهائية وعادلة ودائمة للنزاع المفتعل حول الصحراء.
2- الدعوة إلى مفاوضات على أساس المقترح المغربي كإطار وحيد للتفاوض
في تحول جوهري آخر، دعا مجلس الأمن جميع الأطراف المعنية — و المقصود هنا المغرب، الجزائر، جبهة البوليساريو، وموريتانيا — إلى الانخراط في مفاوضات جادة ومسؤولة دون شروط مسبقة، على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي كإطار وحيد وعملي للتفاوض بهدف التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول من الطرفين، مشددا على أن مخطط الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يكون الحل الأكثر قابلية للتطبيق، مشجعا الأطراف على تقديم أفكار لدعم حل نهائي مقبول من الطرفين. فالأطراف المعنية بالنزاع أصبحت أمام الأمر الواقع لتنفيذ وهو تنفيذ قرار مجلس الأمن الذي يعكس الشرعية الدولية، وعليها اغتنام هذه الفرصة التاريخية وغير المسبوقة لتحقيق سلام دائم، وبناء وحدة مغاربية تقوم على التكامل الاقتصادي لتنمية وازدهار شعوب المنطقة، في وقت تحتاج فيه هذه الشعوب إلى الوحدة والتضامن أكثر من أي وقت مضى، مع تصاعد التكتلات الإقليمية ما بين الدول.
كما دعا مجلس الأمن الدول الأعضاء إلى ضرورة الإسراع بتحقيق هذا الحل للنزاع، مع تقديم الدعم والمساعدة الملائمة للمفاوضات ولجهود المبعوث الشخصي، مجددا تمديد ولاية بعثة المينورسو في الصحراء حتى 31 أكتوبر من عام 2026، تماشيا مع التوصية الواردة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المرفوع إلى أعضاء مجلس الأمن. فأي تقاعس أو تأخير لتنفيذ قرار مجلس الأمن يشكل تعارضا مع الشرعية الدولية ، و من شأنه أن يعطي مصداقية أكثر للمملكة المغربية كدولة تحترم قرار الأمم المتحدة.
المقترح المغربي للحكم الذاتي ، الواقعي والموثوق ، الذي حصل على دعم الغالبية القصوى لأعضاء مجلس الأمن، أصبح بديلا لمقترح تقرير المصير، الذي صار في العدم . هذا المقترح ًصار مرجعا و خارطة طريق لحل النزاع حول الصحراء ، الذي لا يمكن إلا أن يكون سياسيا وواقعيا ودائما ، يمكن أن يتبلور عن طريق المفاوضات الجدية و النوايا الحسنة بين الأطراف لتزيل مضامينه على مستوى القوانين و المؤسسات.
لقد اختار المجتمع الدولي طريق الشرعية من خلال اختيار لا رجعة فيه لحل سياسي وواقعي وعملي ودائم ، تجسده مبادرة الحكم الذاتي ، و صار النقاش حول ملف الصحراء المغربية داخل المجلس يتجه إلى اعتماد خارطة الطريق التي رسمتها هذه المبادرة لحل النزاع ،الذي طال لفترة طويلة ، ما جعل مستقبل وتطلعات شعوب اتحاد المغرب الكبير رهينة بهذا النزاع بالدرجة الأولى، في وقت تحتاج فيه هذه الشعوب إلى الوحدة والتضامن أكثر من أي وقت مضى ، مع تصاعد التكتلات الإقليمية ما بين الدول.
يأتي قرار مجلس الأمن في سياق دولي و إقليمي يتّسم بتزايد مواقف الدول المعترفة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وبروز قناعة متزايدة لدى القوى الكبرى بضرورة تبنّي مقاربة واقعية تقوم على الحكم الذاتي كحلّ وحيد وعملي للنزاع و تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة شمال إفريقيا التي تكتسي أهمية جيو-استرايجية بين أوروبا و إفريقيا .
هذا مع العلم ، أن المغرب يمضي المغرب بثبات في ترسيخ قضيته الوطنية العادلة على الصعيد الدولي، موازاةً مع تعزيز التنمية الشاملة في أقاليمه الجنوبية ضمن مشروع وطني طموح يقوم على الجهوية الموسعة والعدالة المجالية.
وسيقتضي تنزيل مبادرة الحكم الذاتي، بعد التوصل إلى اتفاق نهائي، إدخال تعديلات دستورية وتنظيمية تضمن تفعيل مضامين هذا النموذج في انسجام مع الخصوصيات المحلية ومرتكزات الدولة الموحدة.
خاتمة :
إن القرار الأممي الصادر في 31 أكتوبر 2025 لا يمثل مجرد خطوة دبلوماسية عادية، بل تحولاً استراتيجياً في مسار نزاع الصحراء، إذ وضع حداً لمرحلة من الغموض والمناورة، وأرسى بوضوح أن الحل لن يكون إلا في إطار السيادة المغربية عبر نموذج الحكم الذاتي.
إنها لحظة تاريخية تعكس انتصار منطق الشرعية والواقعية، وتفتح آفاقاً جديدة لتحقيق السلم الإقليمي والتنمية المشتركة في فضاء مغاربي طال انتظاره.

