أروى بريس
لقد وقع السيناريو الأسود الذي كنا نتخوف منه هنا في إسبانيا منذ ما يزيد على خمس سنوات، حين أحسسنا بالإرهاصات الأولية لتحولات كبرى ستشهدها البلاد على المدى المتوسط والبعيد، مما جعلنا نكاد نجزم بأن وجه اسبانيا الجميل سيتغير بشكل كبير خلال العشرية المقبلة، لكننا لم نكن نتصور أن التغيير سيكون بهذه البشاعة، ولا بهذه السرعة الفائقة التي أذهلت حتى أهل الحل والعقد السياسي في البلاد.
الزلزال السياسي الذي ضرب إسبانيا يوم 10 نوفمبر 2019 والمتمثل في احتلال حزب “فوكس” اليميني المتطرف ذي المرجعية “القروسطية” للمركز الثالث في البرلمان، بـ52 مقعدا في الغرفة السفلى وأكثر من 3.6 ملايين صوت، والتشرذم الذي تعيشه قوى اليسار؛ ليست كلها سوى نتاج لتصدعات خطيرة لحقت بنيان القوى السياسية الكبرى في البلاد، وأقصد هنا الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي.
فقد أدت عوامل عديدة -خارجية مثل الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد منذ سنة 2008، وداخلية كقضايا فضائح الفساد المالي يمينا ويسارا- إلى بلقنة الساحة السياسية، وبروز فاعلين جدد أصبحوا يتحكمون في المشهد السياسي عبر عرقلة أية توافقات أفقية كبرى.
للأسف الشديد استطاع اليمين المتطرف -المتمثل في حزب فوكس والحزب الشعبي (الأب البيولوجي لحزب فوكس)- التأثير على المشهد السياسي بشكل رهيب، لدرجة أن هذا الحزب اليميني المتطرف استطاعا -اليوم الدخول فى الحكومات الإقليمية بعد مشاركته في ائتلاف مع الحزب الشعبي اليميني، الخميس وذلك من شأنه أن يمنح فوكس تأثيرا كبيرا في السياسة الاسبانية.
وبموجب نظام البلاد اللامركزي الى حد بعيد، تتمتع مناطق اسبانيا ال17 بسلطات واسعة، ما يعني أن دخول فوكس الحكومة الاقليمية في منطقة كاستيا وليون شمال مدريد قد يمهد لتقاسمه السلطة مستقبلا على الصعيدين الاقليمي والوطني.
وهذه هي المرة الأولى التي يشارك فيه في السلطة في اسبانيا منذ عودة البلاد الى الحكم الديمقراطي بعد وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو عام 1975.
ووصف رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز الائتلاف بأنه “أنباء سيئة للغاية للديمقراطية الإسبانية وكذلك للحزب الشعبي”، مضيفا “انهم يفتحون الباب للمرة الأولى في ديموقراطيتنا الحديثة أمام حكومة من اليمين المتطرف”.
لكن الفونسو فيرنانديز مانويتشو زعيم الحزب الشعبي في المنطقة اعتبر أن الاتفاق الذي تم التوصل اليه مع فوكس “سيسمح لنا بتشكيل حكومة مستقرة”.
وسيحتل فوكس ثاني أهم منصب في حكومة كاستيا وليون، كما سيترأس ثلاثة من مجالس المنطقة العشرة إضافة الى برلمان المنطقة.
ويمكن لائتلاف فوكس والحزب الشعبي أن يقدم لمحة عن شكل التحالف اليميني الذي قد يحكم اسبانيا بعد الانتخابات العامة المقبلة المقررة بحلول نهاية عام 2023.
وحقق فوكس اختراقا في السياسة المحلية بعد فوزه المفاجىء في الانتخابات الإقليمية المبكرة الشهر الماضي والتي تمكن فيها من حصد 13 مقعدا في برلمان كاستيا وليون المكون من 81 مقعدا، بعد أن كان يحتل مقعدا واحدا.
وقال خوان غارسيا-غاياردو زعيم الحزب في منطقة كاستيا وليون “هذا يوم تاريخي بالنسبة لفوكس. إنها المرة الأولى التي ندخل فيها حكومة إقليمية”.
وينادي الحزب اليميني المتطرف بإبطال قانون يحظر رموز حقبة فرانكو وتشريعات تهدف الى حماية ضحايا العنف المنزلي، إضافة الى معاداته للمهاجرين.