أروى بريس
رغم الصعوبات الأولية التي كادت تعصف بتنظيم مهرجان أحيدوس بعين اللوح، خصوصًا على مستوى تحديد الفضاء المناسب للاحتضان، فإن السلطات الإقليمية بقيادة عامل إقليم إفران تدخلت بحزم وفي الوقت المناسب، لتأمين شروط انطلاقة تليق بمهرجان وطني يحمل رمزية ثقافية وتاريخية عميقة. فقد كانت تدخلات عامل الإقليم حاسمة في توفير الفضاء، وضمان التجهيز، وإعادة ترتيب النسيج التنظيمي، بشكل مكّن من تجاوز العراقيل الأولية التي ارتبطت بعوامل لوجستيكية ومجالية.
في هذا السياق، ظهرت الدينامية الترابية بقيادة رئيس دائرة ، الرجل المعروف بثقله الميداني وتكوينه العميق، وبتنسيق ميداني فعال مع قائد.عين اللوح وقائد بن صميم، سوق الأحد، وسيدي عدي وقائد تمحضيت وخلفان الإدارة الترابية ، الذين اشتغلوا كفريق واحد، ضمن منطق يقظ يستبق الخلل ويطوّق الثغرات قبل وقوعها. هذه التعبئة الترابية لم تكن مجرد تفاعل مع حدث ثقافي، بل كانت تجسيدًا عمليًا لثقافة الدولة الحامية للنظام والمنتجة للأمن الرمزي.
ومن اللافت أن المهرجان، وعلى مدى أيامه الثلاثة، لم يشهد أي انفلات أمني، ولا حالة فوضى، ولا مظاهر اصطدام بين الجمهور، وهو ما يُحسب للأجهزة الأمنية بقيادة الدرك الملكي والقوات المساعدة، والتي عملت في صمت، لكن بحرفية عالية ومرونة واضحة.
وإذا كان الإعلام قد نقل صور النجاح وتابع فقرات المهرجان من منظور فني أو توثيقي، فإن ما لوحِظ على نطاق واسع هو تفاعل إعلامي يُقِر ضمنيًا بحالة الانضباط والتنظيم، رغم أن الإعلام المحلي والوطني اشتغل بشكل مستقل، بعيدًا عن أي توجيه مباشر. ورغم استقلالية الصحافة، فقد صدرت إشارات إيجابية وإشادات غير مباشرة، تؤكد أن هناك إعادة اعتبار واضحة لهيبة التنظيم وصرامة الإشراف الداخلي.
الدينامية الإدارية لا السياسية: حينما تنجح الدولة خارج منطق “التموقعات” في خضم النجاح التنظيمي الذي شهده مهرجان أحيدوس بعين اللوح، برزت بعض الخطابات الهامشية التي تحاول نسب هذا الإنجاز إلى جهات سياسية أو فاعلين ظرفيين، في محاولة لتسييس حدث ثقافي صرف. غير أن قراءة موضوعية لمعطيات الميدان تُبيّن بوضوح أن الدينامو الحقيقي الذي حرّك آليات النجاح هو الجهاز الترابي، بما فيه من سلطات محلية، قياد، قوات أمن، وأعوان سلطة.
فالمهرجان لم يُبْنَ على الشعارات، بل على هندسة أمنية مرنة، وتنظيم إداري صارم، وسلسلة تنسيق محكمة تُشرف عليها وزارة الداخلية كمؤسسة، لا كفرد أو تيار. وإذا كان هذا النجاح قد تحقق دون صدامات، أو ارتباكات، أو تجاذبات، فذلك يعود إلى اشتغال الدولة كمنظومة، لا كرافعة انتخابية أو واجهة استعراضية.
إنها لحظة نادرة يتقدّم فيها المنطق المؤسساتي على الحسابات السياسية، وتبرز فيها الدولة في أنقى تجلياتها: حماية الأمن العام، تنظيم المجال، وضمان انتظام الفعل الثقافي في ظل سيادة القانون والانضباط الجماعي.

