محمد تكناوي.
ثانوية ابن عباد التأهيلية بمراكش ، ليست مجرد ثانوية ، انها ذاكرة و مخزون رمزي تربوي وثقافي على المستوى المحلي والوطني.، ،و هي احدى المعالم التاريخية الشامخة في ذاكرة التربية والتعليم بمدينة مراكش ذات الحضور والاشعاع الحضاري الفاعل .
ورغم أن هذه المعلمة حملت اسم الشاعر الأندلسي المعتمد بن عباد دفين اغمات بمراكش ، فإنها لم تكن لتجسد بعد الأسير في شخصيته ، وإنما بعد الشاعر الرقيق الودود الناعم الذي لم تنقذه رهافة حسه الشعري من اقتراف أخطاء السياسة كلفته حريته ، وبذلك ظل فضاء الثانوية في ذاكرة تلاميذها وتلميذاتها بتداخل مع اخيلة الاندلس ومحنة المعتمد، مما كان يملا النفس بهواء منعش بارد احيانا وحار احيانا اخرى في مدينة مراكش التي اتسمت دائما بقسوة طقسها.
يرجع تاريخ تاسيس ثانوية ابن عباد الى عهد الحماية وبالضبط سنة 1929 كمدرسة ابتدائية ، لتنتقل بعد ذلك سنة 1932 الى إعدادية حملت اسم collège de Marrakech,, وسنة 1938 اصبحت ثانوية تحمل
اسم Lycée Mangin وذلك نسبة إلى الجنرال الفرنسي Charles Mangin، الذي قاد قوات الاحتلال الفرنسي التي احتلت مراكش سنة 1912.
ومع أن مانجان عرف كقائد عسكري متشدد، فقد كان ايضا كاتباً موهوباً ، وحصل على الجائزة الكبرى في الأدب من الأكاديمية الفرنسية عام 1925. وله عدد من المؤلفات منها «كيف انتهت الحرب» (1920) وكتاب «نظرات إلى فرنسا الأفريقية» (1924) .
وهي تعد ثالث اقدم مؤسسة تعليمية بمراكش بعد إعدادية المنصور الذهبي و ثانوية محمد الخامس باب اغمات واول مؤسسة يتم بناؤها خارج السور التاريخي للمدينة،
.وكانت ثانوية ابن عباد في البداية مفتوحة في وجه ابناء الاعيان والجالية اليهودية والفرنسية بالمدينة..وبعد الاستقلال وعلى وجه التحديد سنة (1962) اطلق عليها الاسم الحالي ” ثانوية ابن عباد ” تيمنا بالشاعر الاندلسي المعتمد بن عباد دفين اغمات وتقع المؤسسة وسط مدينة مراكش بحي جليز .
وكما سلف الذكر في البداية فثانوية ابن عباد لم تكن مجرد ثانوية من ثانويات مراكش يحج إليها تلامذة المدينة والمناطق المتاخمة ، وإنما كانت فضاء ثقافيا مشعل ولعب بعض اساتذتها وبعض تلاميذها دورا أساسية في تحريك السواكن الثقافية والرياضية هذا فضلا عن عشرات الأسماء والاطر والكفاءات الوطنية والاجنبية التي تخرجت من هذه الثانوية المعطاء واصبح لها صيت في عدة حقول علمية وادبية واجتماعية وسياسية ورياضية. وطنية ودولية . تكفي ان نذكر هنا وزير التربية الوطنية والتعليم العالي السابق ورئيس جامعة القاضي عياض محمد الكنيدري ، والمرحوم الوزير والسفير والقيادي محمد الوفا، والبطل الفرنسي الذائع الصيت لاعب كرة المضرب يانيك نواه Yanick nouah,. و دافيد ليفي وزير خارجية اسرائيل السابق ، ومحمد صابر الكاتب العام السابق لوزارة الفلاحة و العلامة الدكتور حسن جلاب عميد كلية اللغة وغيرهم.
و دلالات المخزون الرمزي لثانوية ابن عباد يمكن تلمسه ايضا في اسهامها في رسم المعالم والمكونات الأولى والأساسية للحداثة في النظم التربوية والتعليمية بالمغرب خلال مرحلة الحماية وفي امتداداتها وما زرعته في تربة المغرب وفي النفوس والوجدانات وفي الذاكرة..
و يحق لمراكش وللمغرب بصفة عامة أن يفتخر بهذه المؤسسة العريقةا وبما راكمته من اسهامات ،وان كانت لا تزال على موعدها ووعدها في تبليغ الأمانة التربوية والعلمية لفائدة الاجيال الحاضرة من يافعي وشباب مراكش ولا تزال تملك بصمات ماضيها المجيد وتحتفظ بذاكرتها فهي بحاجة اليوم الى اعتبار جميل. عطف ابناءها من أجل مؤازرتها على الاستمرار في رسالتها وادوارها وصيانة تجدها والتعريف بذاتها واشعاع مكانتها..