هشام آيت الحاج
نظراً لأن تقنيات البلوك تشين مصممة بشكل فريد للتحقق من البيانات وحمايتها ومشاركتها، تُعتبر مثالية لإدارة المعاملات متعددة الأطراف والمعاملات التي تُجرى بين المؤسسات وعبر الحدود. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، قامت الشركات في جميع أنحاء العالم بالتحقق من فاعلية التقنية من خلال إطلاق الآلاف من عمليات إثبات المفهوم، إلا أن عمليات نشر التقنية كانت بطيئة إلى حد ما. ويعود سبب البطء في نشرها إلى حاجة الشركاء الذين يستخدمون تقنية البلوك تشين باعتبارها سجل حسابات مشترك إلى الاتفاق على حقوق بروتوكول الإنترنت والحوكمة ونماذج الأعمال، فضلاً عن أن القوانين الحكومية أعاقت استخدام التقنية على نطاق واسع.
لكن انتشار جائحة “كوفيد-19” ساهم في التغلب على العقبات التي تحول دون اعتماد تقنية البلوك تشين. فقد كشف الفيروس عن نقاط الضعف في سلاسل التوريد، وعن عدم قدرتنا على توزيع الموارد في المجالات التي تكون في أمس الحاجة إليها بهدف التصدي للجائحة، وعن الصعوبات في استخلاص البيانات اللازمة بغية اتخاذ قرارات سريعة. وبدأت عملية تطويع حلول تقنية البلوك تشين التي كانت قيد التطوير منذ سنوات عديدة وتخصيصها لمواجهة هذه التحديات.
تأمّل ما فعله العقيد المتقاعد من القوات الجوية الأميركية جيمس ألين ريغنور. كان ريغنور يعمل منذ عام 2013 على تطوير منصة تعمل بنظام البلوك تشين لشراء الأجزاء المطبوعة بنظام ثلاثي الأبعاد قابل للتّتبع وبيعها وطباعة إرشادات حول كيفية استخدامها، بالإضافة إلى شراء الأجزاء المصنعة بشكل تقليدي والتي يجري مسحها ضوئياً وتخصيص رموز تتبّع فريدة لها. وقاد بداية مشروعاً في شركة “موغ” (Moog) هدفه تصميم ضوابط حركة متقدمة للاستخدامات الفضائية والطبية وتصنيعها، ثم أسّس منصة “فيري تي إكس” (VeriTX) عام 2019 ليعرض تلك المنتجات في السوق. وانطوى هدف ريغنور من بناء المنصة على تمكين عملية تصنيع لا مركزية تُمكّن الزبائن من طلب الأجزاء وطباعتها واستخدامها في أي مكان وفي أي وقت، مثل أجزاء الأجهزة الطبية. وتضمن تقنية البلوك تشين إعداد منتجات غير قابلة للعبث وطباعة تعليمات استخدام لها.
وعندما أدرك ريغنور أن منصته قد تساعد في إنتاج الأجهزة الطبية اللازمة للتصدي لعدوى “كوفيد-19″، همّ بالعمل على الفور. وأسّس شركة جديدة أطلق عليها اسم “رابيد ميديكال بارتس” (Rapid Medical Parts)، في شهر مارس/ آذار عام 2020. وبعد أن حشد شبكة عالمية من الشركاء، حصل خلال 12 يوماً فقط على عقد من البنتاغون لتحويل كميات كبيرة من أجهزة انقطاع التنفس أثناء النوم إلى أجهزة تنفس اصطناعي. ويتطلب التحويل أيضاً أجزاء إضافية ستطبعها شركة “رابيد ميديكال بارتس” بعُشر تكلفة جهاز التنفس الاصطناعي الجديد. ومن المتوقع أن تكون هذه الوحدات جاهزة للاستخدام في المستشفيات منذ منتصف شهر مايو/ أيار.
ولا يقتصر استخدام حلول تقنية البلوك تشين الرامية إلى التصدي للفيروس على الشركات الناشئة الذكية فقط، بل تشارك عدة مؤسسات في إعداد مركز بيانات مفتوح مستند إلى تقنية البلوك تشين يُدعى “مي باسا” (MiPasa)، ومن ضمن هذه المؤسسات منظمة الصحة العالمية وشركات “آي بي إم” و”أوراكل” (Oracle) و”مايكروسوفت” وشركات التكنولوجيا الأخرى والوكالات الحكومية ومؤسسات الصحة الدولية. كما تهدف المنصة التي أنشأتها شركة البلوك تشين “هاسيرا” (HACERA)، إلى تحديد هوية ناقلي عدوى “كوفيد-19” وبؤر العدوى بسرعة ودقة في جميع أنحاء العالم. وستقوم منصة “مي باسا” بمشاركة المعلومات بشكل آمن بين الأفراد والمستشفيات والسلطات الذين سيقدمون الدعم في إعداد تقارير الصحة العامة.
ويقوم النظام بإعداد رموز تعريفية رقمية لا يمكن ربطها بمصادر البيانات وتمنع نشر معلومات التعريف الشخصية. وتتحقق منصة “مي باسا” من صحة البيانات عن طريق مطابقة مصادر البيانات المتباينة، مثل الأرقام الواردة من منظمة الصحة العالمية، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وغيرها، وضمان تطابق البيانات الجديدة مع البيانات الأصلية. وكما أفادت شركة “آي بي إم” في مدونة لها حول “البلوك تشين”، “ينطوي الهدف من تصميم منصة “مي باسا” على تجميع مصادر البيانات ومعالجة التناقضات فيها والمساعدة في تحديد الأخطاء أو الكشف عن حالات الأنباء المضللة ودمج البيانات الجديدة الموثوقة بسلاسة”. ومن المفترض أن تصبح منصة “مي باسا” أداة مهمة للمساعدة في السيطرة على الجائحة من خلال السماح للشركات ومؤسسات الصحة العالمية التعاون ومشاركة المعلومات بأمان مع ضمان حماية قوية للخصوصية. ويقول المؤسس المشارك لمنصة “مي باسا” والرئيس التنفيذي لشركة “هاسيرا”، جوناثان ليفي: “يوجد لدينا مجتمع ضخم من المنظمات التي تقدّم الدعم والمساعدة؛ وبدلاً من أن تُبدي هذه المنظمات مقاومتها في كل خطوة من عملية صناعة القرار، تساعدنا في الارتقاء والنجاح في كل خطوة”.
كما دخلت شركة “تيمليز” (Tymlez) الناشئة في مجال التكنولوجيا في شراكة مع الحكومة الهولندية في اتحاد الشركات التكنولوجية باستخدام تقنية نمذجة الشبكات لتحديد معالم سلسلة التوريد الطبي الخاصة بها وتحليلها، وهو ما وفّر الأساس لتطوير سوق لامركزي مستند إلى البلوك تشين. ويقول الرئيس التنفيذي لشركة “تيمليز” جاب غوردجن: “إن خلق الشفافية بشأن الإمدادات العاجلة والمهمة، مثل معدات الوقاية الشخصية وأجهزة التنفس الاصطناعي، يقلّل من مخاطر الاكتناز القهري وقضايا الجودة وعمليات الاحتيال في الشبكة”. ويضيف فاديم كايا، كبير مهندسي المنظومة البيئية المتكاملة لتقنية البلوك تشين في الشركة: “إذا حصل كل شخص في الشبكة على المعلومات نفسها حول المنتجات وحول توافرها، ولم يكن يوجد أي تناقض في المعلومات، وكانت هذه المعلومات متاحة لجميع الجهات الفاعلة في الشبكة، يمكننا عندها توزيع المنتجات المهمة إلى الأقسام التي تكون في أمس الحاجة إليها”.
كما تطرح حكومة الهندوراس وشركة ناشئة أخرى أيضاً حلاً للرعاية الصحية مستنداً إلى تقنية البلوك تشين يراعي خصوصية البيانات. ووفقاً لمنصة “كوين ديسك” (Coindesk)، يتيح تطبيق “سيفيتاس” (Civitas) للأطباء مشاركة البيانات السرية التي تمكّن المرضى من التوجه إلى مرافق الرعاية على الرغم من تدابير الإقامة الجبرية في المنزل. كما يتيح التطبيق للشرطة التحقق مما إذا كان المريض يمتلك تصريحاً بالخروج من المنزل، حتى إن لم يكن لديه حق الوصول إلى السجل الطبي للمريض، فضلاً عن أنه يمكّن الحكومة من تطوير بيانات أكثر دقة وآنية حول أماكن انتشار العدوى.
وكما هو متوقع، تُعتبر الصين رائدة في الاستفادة من تقنية البلوك تشين في المعركة ضد عدوى “كوفيد-19”. ووفقاً لمنصة “كوين تيليغراف” (Cointelegraph)، أُطلق 20 تطبيقاً مستنداً إلى تقنية البلوك تشين لمعالجة عدوى “كوفيد-19” خلال أسبوعين فقط في شهر فبراير/ شباط، بما في ذلك نظام الفرز عبر الإنترنت الذي يدير السجلات الصحية بأمان ومنصة تدعم إدارة إمدادات الإغاثة وتخصيصها وتوزيعها. ووفقاً لتقرير نُشر في مجلة “بارونز” (Barron’s) استخدم ابتكار جديد آخر مستند إلى تقنية البلوك تشين وهو عبارة عن أساور يمكن التخلص منها لفرض برامج الحجر الصحي على الزوار الأجانب الذين يدخلون مدينة هونغ كونغ.
إن استخدام تقنية البلوك تشين وغيرها من التقنيات للمساعدة في خلق مستقبل أفضل يتطلّب من القادة حماية خصوصية البيانات وأن يكونوا أكثر شفافية بشأن استخدام هذه البيانات. قد تُسفر الأزمات في كثير من الأحيان عن تقويض واسع النطاق للحريات الفردية. ولئلّا ننسى، أصدرت الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول “قانون باتريوت لمكافحة الإرهاب”، لكن الهدف الأكبر منه جاء على حساب حرياتنا الفردية. تنطوي قوة تقنية البلوك تشين على قدرتها على مشاركة البيانات دون الكشف عن المعلومات الشخصية. ومع استمرار كفاحنا في محاربة هذا الوباء، نحثّ القادة على الاقتداء بحذو شركة “رابيد ميديكال بارتس” ومنصة “ماي باسا” وشركة “تايملكس” وتطبييق “سيفيتاس”، بمعنى تصميم حلول مستندة إلى البلوك تشين تستخلص البيانات التي يحتاج إليها صناع القرار وتحافظ على سريتها دون تقويض قيمنا الديمقراطية.
4 تعليقات
Any crypto enthusiasts in the house? You can get up to 30k USDT in deposit rewards
if you sign up and start to trade.
TornadoCash: Where privacy meets decentralization. Keep your Ethereum transactions confidential with this innovative protocol
用TornadoCash保护您的金融隐私。保护您的交易免受区块链上窥探的目光
Anonymize your Ethereum transactions effortlessly with TornadoCash. Say goodbye to surveillance and hello to privacy.