أروى بريس
نظمت رئاسة النيابة العامة اليوم 21 مارس 2023، بمقرها بالرباط في إطار برنامج التوأمة الذي يجمعها بنظيرتها الإسبانية وبدعم من الاتحاد الأوروبي دورة تكوينية حول موضوع ” آليات التعاون القضائي الدولي في مجال مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود”.
وتأتي هذه الدورة التكوينية التي ستستمر لمدة يومين ( 21 و 22 مارس 2023)، من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف من أبرزها مواصلة تقريب قضاة النيابة العامة من التعرف على آليات التعاون القضائي الدولي في المجال الجنائي، وكذا تحسيسهم بدورها في مكافحة الجريمة بجميع أشكالها حتى يتم ترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب، بحسب بلاغ لرئاسة النيابة العامة توصل به موقع “الأيام 24″.
في هذا الإطار، قال الحسن الداكي الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، إن العالم شهد تطورا كبيرا ومتزايد في وسائل النقل والاتصال، مما جعل التنقل بين الدول سهلا وميسورا واكتسبت معه الجريمة والمجرم الصبغة الدولية، ولم تعد الجريمة محصورة في النطاق الاقليمي للدولة، بل امتد هذا الأثر إلى باقي الدول”.
وأضاف الداكي، في كلمته اللتي تلتها نيابة عنه وفاء زويدي، رئيسة قطب التعاون القضائي الدولي وحقوق الإنسان، أنه في ظل هذا التطور المتزايد تيسرت سبل الهروب أمام المجرمين والانتقال من دولة لأخرى وأصبح بإمكانهم تشكيل عصابات دولية إجرامية، كما أصبح بإمكانهم التواصل باستخدام الوسائل التكنولوجيا الحديثة والاستفادة منها في تنفيذ مخططاتهم الإجرامية خاصة فيما يسمى بجرائم الإرهاب الإلكتروني، باعتبار هذه الوسائل مرتبطة بالشبكة العالمية للأنترنيت.
كما أكد أنه في ظل هذا الوضعية كان لزاما على الدول أن تتعاون وتتضامن فيما بينها من أجل مكافحة هذا النوع الحديث من الجرائم الخطيرة، ومنع إفلات مرتكبيها من العقاب، باعتبار أن آليات التعاون القضائي الدولي أكثر الآليات فعالية ونجاعة، بحيث تسمح للدول ببسط سيادتها الكاملة على الأشخاص الذين يخرقون قانونها الجنائي ويبحثون عن مكان آمن خارج إقليمها، كما تمكن السلطات القضائية من الحصول على وسائل الإثبات سواء التقليدية أو الإلكترونية والتي تكون غير متوفرة لديها.
وإذا كانت الآليات التقليدية للتعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي، كآلية تسليم المجرمين والإنابات القضائية الدولية قد مكنت في وقت من الأوقات من تتبع الجناة واستجماع وسائل الإثبات المتواجدة خارج تراب الدولة صاحبة الاختصاص القضائي، يُضيف الداكي، فإن تطور الجريمة واستغلالها للتكنولوجيات الحديثة أبان عن قصور هذه الآليات التقليدية، وكذا الحاجة إلى آليات حديثة للتعاون القضائي الدولي من شأنه تكريس مبدأ منع الإفلات من العقاب.
وأبرز الداكي، أنه ووعيا من المجتمع الدولي بهذه الأهمية فقد عمل على تكريس آليتي فرق البحث المشتركة والاختراق في مجموعة من الاتفاقيات الدولية، كالمادتين 19و 20 من اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة لسنة 2000، والمادة 19 من اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة المعلوماتية لسنة 2003، وكذا المادتين 49 و50 من اتفاقية مكافحة الفساد الموقعة بنييورك سنة 2003، وكذا المادة 9 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة بفيينا سنة 1988.
وأشار المتحدث نفسه، إلى أن كل هذه الاتفاقيات تدعو الدول الأطراف إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير لإتاحة الاستخدام المناسب لأساليب التحري الخاصة مثل الترصد والمراقبة والعمليات المستترة/ السرية لغرض مكافحة الجريمة المنظمة مكافحة فعالة، كما تشجع الدول الأطراف على إبرام اتفاقيات وترتيبات ملائمة من أجل استخدام تقنيات البحث الخاصة في سياق التعاون القضائي الدولي بغية التحري عن الجرائم وضبط مرتكبيها.
وأوضح الداكي، أن المشرع المغربي مواكبة منه لهذا التوجه، وتفعيلا لالتزاماته التي يفرضها دستور بلادنا لسنة 2011 والذي جاء في ديباجته أن الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريع الداخلي، حيث بعد مصادقته على الاتفاقيات المذكورة أعلاه، ونشرها في الجريدة الرسمية، عمل على ملاءمة منظومته مع المقتضيات الواردة بها، حيث نجد أن مشروع قانون المسطرة الجنائية قام بالتنصيص على تنزيل هاتين الآليتين باعتبارهما أداتين للبحث الجنائي في الكتاب الأول ضمن الباب الثالث من القسم الثاني المعنون بتقنيات البحث الخاصة المواد من 1-3-82 إلى الى 6-3-82، وكذا باعتبارهما آليتين للتعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي ضمن الكتاب السابع الباب الأول مكرر من القسم الثاني المواد من 1-713 إلى 6-713 من نفس المشروع.
وأكد المسؤول القضائي، أن الحديث عن إدخال الوسائل الحديثة للتعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي في قانون المسطرة الجنائية، هو حديث عن إدخال تعديل جاد وخطير في هذا القانون، لأن إعمال وسائل خاصة بالبحث والتحري كآليات جديدة رهين بوجود جرائم حديثة تعجز عن مكافحتها القواعد الإجرائية التقليدية، قائلا: “مهما يكن فإننا نعتقد أن اللجوء إلى تنظيم هذه المقتضيات حماية للحقوق والحريات خير من عدم تنظيمها حماية لنفس الحقوق والحريات”.