سموها رؤية أو قدرا – إذ صارت كلمات سائق سيارة الأجرة في وقت لاحق حقيقة، أي أنني كنت ذاهبة إلى إسرائيل لتمثيل المغرب خلال مسابقة ملكة جمال الكون لعام 2021. ففي نهاية المطاف، مجريات الحياة ليست اعتباطية كما قد يُنظر إليها. على الرغم من أن إصابة فاطمة الزهراء كانت مؤسفة، إلا أنني أعتقد أنها كانت فرصة لتعليمنا دروسا مختلفة. لقد عبرت عن ثقتها في قدراتي، إذ تعكس صراحتها الخيرة إشراقتها الداخلية. اليوم، لا تزال تزدهر شخصيا ومهنيا، وقد كان حقا من دواعي سروري أن أشهد ذلك من بعيد.
لم يدعمني الجميع. لطالما كان المناخ السياسي السائد حول إسرائيل وفلسطين حساسا، ولا يزال هذا الموضوع هشا للغاية. وهكذا، عندما تم الإعلان عن مكان تنظيم مسابقة ملكة جمال الكون، بدأ الناس على الفور في التعبير عن استيائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي الوقت نفسه، كانت العلاقة السياسية بين الجزائر والمغرب حساسة أيضا، بحيث خلقت أصول جدتي الجزائرية مشكلة إضافية لبعض الناس. بمجرد الإعلان عن فوزي بلقب ملكة جمال المغرب المتوجة حديثا، أثار مقطع فيديو لي أشارك فيه قصة حياة جدتي من أجل إظهار قوة الاختيار نقاشا عاما حول شرعيتي كسفيرة للمغرب. ثم بدأ اسمي يظهر فجأة في الأخبار، إذ سعى بعض الصحفيين بوضوح إلى تسليع القصة، في حين وصف آخرون يعملون في في نفس المجال هذه الظاهرة بأنها مناورة استراتيجية لتوليد المزيد من “الضجة” – أي حيلة دعائية. على الجانب الآخر من الشاشة، واصلت التأمل في مفهوم الهوية.
توصف مدينة القدس بأنها مدينة السلام، لكنها تحمل آلام وعواطف شعوب مختلفة. مشينا على طول شوارعها الأسطورية التي تتميز ببقايا التراث الديني، مجموعة من المعابد والكنائس والجبال والمساجد تعلو سطحها، مشكّلة ما يشبه كوكبة. لم تكن لهذه الطريق أهمية رمزية فقط بالنسبة لي، فبينما كانت تمر على مسامعي تحيات “شالوم” و”السلام”، كان حقا ذلك كل ما أتمناه: السلام.
مع تواجد أكثر من مليون شخص في إسرائيل من أصل يهودي مغربي، كثيرا ما اقترب مني أشخاص ليعبروا بفخر عن أصول عائلاتهم المغربية. لقد قدموا لي بسخاء رموز تقديرية، بما في ذلك ثوب السهرة الخاص بي وأطعمة مختلفة، بالإضافة إلى الابتسامات والعناق والأغاني والرقصات والهتافات، وشاركوني شعورا متجذرا يعمه الود.
ومع انخفاض عدد السكان اليهود المغاربة، بدت قصصهم وكأنها أصداء من ماض بعيد. لقد كنت على دراية بهذا التاريخ لبلدي، لكن التجربة التي عشتها أثناء مقابلة عدد الأشخاص الذين عبروا لي عن مدى انتشار تذكر الماضي اليهودي المغربي والاحتفال به كانت مذهلة ورائعة.
وذات مساء، تشرفت أنا وملكة جمال الكون 2020، وملكة جمال الولايات المتحدة الأمريكية، وملكة جمال إسرائيل، بتناول الطعام في منزل رئيس بلدية إيلات، إيلي لانكري. كانت زوجته، التي تتميز بشخصية مرحة، قد أعدت مجموعة من الأطباق المألوفة – من بينها الكسكس والشباكية. رافقتنا ألحان العود ونحن نتحدث عن ذكريات الطفولة التي عاشها المضيفون في المغرب.
القصص التي ظهرت إلى حيز الوجود منذ زمن طويل تم نقلها بين الأجيال بحيث أن ما كانت أشعر به سابقا وكأنه أصداء من الماضي تبلور ليأخذ شكل سيمفونيات. أثناء تواجدي في إسرائيل، انبهرت بالبلاد، بتجاور الأديان بها، وبحقيقة أن البحر الميت القريب هو أدنى نقطة على وجه الأرض. فكرت في أنه ربما، ربما فقط، خلق هذا المزيج من المرتفعات والمنخفضات نقطة وسط فريدة من نوعها، نقطة وسط تحتفي بالاختلاف والتعايش والتفاهم.
خلال نشأتي، التحقت بمدرسة أمريكية في الصباح وعند عودتي إلى المنزل كنت أتحدث باللغة الدارجة والفرنسية. ثم مددت رحلتي الأكاديمية في فرنسا عندما التحقت ببرنامج يدرس باللغة الانجليزية. كانت لغتي الأم هي الاستكشاف، وكان الانقسام الثقافي الذي نشأت فيه هو المكان الذي شعرت فيه بالراحة الأكبر. الأشخاص الذين التقيت بهم أثناء إقامتي، على الرغم من أنهم لم يذهبوا إلى المغرب منذ سنوات، اعتبروا أنفسهم مغاربة مثل أي مواطن مغربي آخر. إذن، كيف يمكن قياس مفهوم تمغربيت؟
بالنسبة لي، أن تكون مغربيا يعني أن تكون منفتحا. أن تكون مغربيا يعني أن تكون الحرية مغروسة في مخططنا البيولوجي. تستمر طاولاتنا ومنسوجاتنا وسقوفنا وأرضياتنا وغرف المعيشة، المزينة بتعقيدات ملونة، في الاحتفال بحيويتنا الفطرية. دائما ما ينهي الرجل المغربي جملته بأمل وامتنان وتتحلى المرأة المغربية بالشجاعة وهي تجسد الحرية بلطافة. المغرب هو المكان الذي يستسلم فيه اليأس للإيمان وحيث تعوَّض السخرية بابتسامة حكيمة أو قطعة دافئة من الخبز محلي الصنع – التعاطف هو العملة المتداولة.
كوثر بنحليمة هي وصيفة ملكة جمال الكون المغرب لعام 2021، وهي ناشطة خيرية وفنانة ورائدة أعمال شاركت في إنشاء متجر مجوهرات مع شقيقتها. حصلت على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من المدرسة العليا للعلوم الاقتصادية والتجارية ESSEC بباريس وشاركت في عالم التعبير والاحتفال بالهوية منذ سن السابعة. عملت السيدة بنحليمة مع العديد من الجمعيات المغربية التي تدعو إلى الحق في التعليم وتوزيع المواد الأساسية على المحتاجين، بما في ذلك العمل كمتطوعة لدى مؤسسة الأطلس الكبير. اليوم، تعمل كوثر مع وكالة تسويق فرنسية وتتطلع إلى متابعة دراساتها العليا في مجال الاتصالات.