أروى بريس – إسبانيا
يحاول تنظيم داعش الارهابي إعادة تموضعه وتنظيم صفوفه، إضافة إلى بذل المزيد من الجهود لنشر أفكاره بين الشباب لتجنيدهم وتنفيذ مخططاته الإرهابية حول العالم وزعزعة أمن البلاد واستقرارها، وخاصة الدول التي شاركت أو ساهمت بطريقة أو بأخرى في التحالف الدولي ضده في سوريا والعراق.
ولم تكن إسبانيا بمنأى عن تلك التهديدات طوال الأعوام السابقة، حيث تكبدت خسائر في الأرواح والممتلكات على يد الذئاب المنفردة، وتصدرت المشهد السنوي ضمن مجموعة الدول التي يستهدفها التنظيم من خلال تهديداته المستمرة عبر منصاته الإعلامية المختلفة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى مثلت أنشطة تيارات اليمين المتطرف تهديدًا أيضًا لأمن إسبانيا واستقرارها الداخلي، متمثلًا بشكلٍ رئيسٍ في حزب “فوكس” اليميني المتطرف الذي لا يألو جهدًا في إثارة الكراهية ضد المسلمين والأجانب ويسعى إلى سن تشريعات جديدة تقيد حرياتهم، الأمر الذي يهدد السلم الداخلي للمجتمع. وفي هذا الصدد نشرت قناة “أب داي” على موقع “يوتيوب” بالإسبانية، في 18 ديسمبر 2022م تقريرًا مصورًا حول إمكانية تعرض إسبانيا لهجوم إرهابي جديد، وسلط التقرير الضوء على تنفيذ العديد من الحملات الأمنية والاعتقالات، وكذلك الأحكام القضائية الصادرة بطرد العديد من المتهمين بالتورط في أنشطة متطرفة في الأراضي الإسبانية خلال المدة الماضية، ومنها ما كان في مدينة سرقسطة بالتعاون مع المباحث الفيدرالية الأمريكية، الأمر الذي ربما يعكس وجود حركة لبعض الخلايا النشطة داخل إسبانيا، وهو ما يزيد من فرص تعرض البلاد لنشاط إرهابي محتمل. وأشار التقرير إلى التمكن من القبض على خلية إرهابية في إقليم قطلونية مكونة من (6) أشخاص، والتي كان من المتوقع أن تنفذ هجومًا إرهابيًّا في برشلونة خلال العام الجاري 2022م.
وكرر التقرير الحديث عن استمرار حفاظ إقليم قطلونية، مثل بقية إسبانيا، على المستوى الرابع من حالة التأهب الأمني، وذلك منذ عام 2015م خشية وقوع هجمات إرهابية. ومنذ ذلك العام، تم تنفيذ (277) حملة أمنية في إسبانيا ككل، أسفرت عن (500) عملية اعتقال معظمها في قطلونية ومدريد وإقليم الباسك وبلنسية ومرسية. وأشار الاتحاد الأوروبي وفقًا للتقرير الصادر عن قناة “أب داي” إلى أن وباء كورونا قد أدى إلى انتشار الرسائل المتطرفة عبر الإنترنت، الذي كثر استخدامه في تلك الفترة نظرًا للحجر الصحي الذي طبقته معظم دول العالم، مما جعل الفضاء الإلكتروني مجالًا واسعًا لنشر الأفكار المتطرفة والتوجهات العنيفة. كما أن نوعية الهجمات التي نفذت في السنوات الأخيرة قد اعتمدت بشكل كبير على الذئاب المنفردة واستخدام أدوات بسيطة مثل الطعن بالسكين أو الدهس بالسيارات مثلما حدث في برشلونة في أغسطس من عام 2017م، وفي مدينة “نيس” الفرنسية وفي “برلين” الألمانية و”لندن” البريطانية.
كما أن عدد ضحايا إرهاب اليمين المتطرف والتنظيمات المتطرفة الأخرى في أوروبا يشكل أكثر من نصف إجمالي عدد ضحايا الإرهاب في أوروبا في الفترة الأخيرة. وذكر التقرير أنه في المدة ما بين 2015م و2020م تضاعف إرهاب اليمين المتطرف ثلاث مرات في الدول الغربية، وذلك من خلال انتشار ظواهر الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب وبث رسائل الكراهية والتحريض على العنف عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة. وهذا يبين أن العنف والتطرف بكل أشكاله وتوجهاته يشكل خطرًا على أمن المجتمعات، سواءٌ كان من التنظيمات الإرهابية أو من خلال اعتداءات تيارات اليمين المتطرف، الأمر الذي يتطلب مكافحة أمنية وفكرية معًا، مع ضرورة نشر الوعي المجتمعي بخطورة الأفكار المتطرفة بكل أنواعها. وفيما يخص اليمين المتطرف، فمع تصاعد الأنشطة الإرهابية والعنيفة لليمين المتطرف حول العالم أشارت صحيفة “إل أوبسيربادور” الأوروجوانية، في 19 ديسمبر 2022م، إلى أن وكالة التعاون الأمني التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروبول) حذرت من التهديد الذي تشكله الجماعات اليمينية المتطرفة العابرة للحدود من خلال أنشطتها عبر الإنترنت، والتي تؤدي إلى وقوع هجمات عنيفة، وذلك بعد عملية بحثية رصدت أكثر من (800) محتوى عنيف أو إرهابي.
وقال اليوروبول في بيان: “إن هجومين مسلحين أخيرين، أحدهما في الولايات المتحدة والآخر في سلوفاكيا، نفذهما متطرفون يمينيون مشتبه بهم، ما أظهر انتشارًا مقلقًا للإرهاب اليميني المتطرف والأنشطة العنيفة على نطاق عالمي”، وأضاف اليروبول أن مرتكبي هذه الهجمات كانوا جزءًا من جماعات تعمل عبر الإنترنت، واستلهمت خططها من إرهابيين ومتطرفين يمينيين نفذوا هجمات عنيفة. جدير بالذكر أن اليوروبول والشرطة خصصت في (13) دولة من دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا العظمى “يوم عمل مرجعي” وذلك يوم الخميس 15 ديسمبر، بهدف تحديد المحتوى اليميني المتطرف والعنيف على الإنترنت، خاصة البث المباشر والاحتفال بالهجمات الإرهابية. وبنهاية اليوم أبلِغ عن (831) مقالًا من (٣٤) منصة، مضيفًا أن “التهديد الذي يشكله التطرف العنيف والإرهاب آخذ في الازدياد”.
وأشار اليوروبول إلى هجومين نُسبا إلى متطرفين يمينيين ويمكن ربطهما بمحتوى على الإنترنت، كان أولهما قتل (10) أشخاص من ذوي البشرة السمراء على يد المتعصب للبيض “بايتون جندرون” في (نيويورك) بالولايات المتحدة، في مايو من العام الجاري ٢٠٢٢م. ووقع الهجوم الثاني عندما قتل مراهق متطرف، وهو نجل عضو بارز في حزب يميني متطرف، رجلين بالرصاص خارج حانة للشواذ جنسيًّا في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا في أكتوبر الماضي 2022م. وقال اليوروبول: إن هذه الهجمات سلطت الضوء على الدور الأساسي للدعاية عبر الإنترنت في عملية التطرف، مؤكدًا أن هذا يوضح كيف أن إساءة استخدام الإنترنت لا تزال تشكل جانبًا رئيسًا من جوانب التطرف اليميني العنيف أو التجنيد أو الحشد له”.
ومن خلال استقراء المشهد العام لإسبانيا وأوروبا بوجه عام يتبين أن تحركات اليمين المتطرف والتنظيمات الإرهابية تُبرهن على أنهما وجهان لعملة واحدة، وإن اختلفت التوجهات والإستراتيجيات والآليات المستخدمة لتنفيذ أجنداتهما الملوثة بدماء الأبرياء حول العالم. حيث تتلون الحركات اليمينية المتطرفة من أجل مبتغاها، وتتظاهر بشعارات مزيفة، وتلوح من حين لآخر برايات الحقوق والحريات وهذا ما ظهر جليًّا في مقترح تقدم به حزب فوكس مؤخرًا إلى البرلمان الإسباني يهدف إلى وضع إجراءات عاجلة وفورية للحد من عمليات التجنيد للأطفال والقصر، إلا إن لجنة الأطفال بالبرلمان قابلت هذا الطلب بالرفض ولم يتبين حتى الآن سبب الرفض، جدير بالذكر أن المقترح الذي تقدم به حزب فوكس في هذا الشأن كان فيه تحاملٌ شديد ضد الإسلام، حيث حذر في ثناياه من “التهديد الإسلامي” حسب زعمهم، في محاولة منه إلى ربط الإسلام بتلك التهديدات المحتملة لمجموعة التنظيمات الإرهابية التي تدعي انتمائها للإسلام، والإسلام منها براء. من الواضح أن اليمين المتطرف والمتمثل في حزب فوكس في إسبانيا لا يزال يدس السم في العسل من أجل مواصلة خطابه العدائي ضد الإسلام، وضد الجاليات الإسلامية خاصة المهاجرين منهم لخلق بيئة عدائية قادرة على نبذهم، وتهميش دورهم وإحداث الفرقة بين جميع أطياف المجتمع على أساس الدين والمعتقد والعرق.
وكتفت السلطات الامنية مراقبة تحركات التنظيمات المتطرفة وأذرعها المتمثلة في الذئاب المنفردة التي عادة ما تنشط في نهاية كل عام بالتزامن مع احتفالات العالم بالعام الجديد وأعياد الميلاد، الأمر الذي دفع الداخلية الإسبانية إلى اتخاذ حزمة من التدابير الأمنية اللازمة تفاديًا لوقوع أية هجمات إرهابية داخل الأراضي الإسبانية خلال الاحتفال بأعياد الميلاد.
وأكدت الداخلية في بيان لها أن الخطة تهدف إلى تعزيز الأجهزة التشغيلية والتدابير الوقائية والمراقبة ومكافحة الإرهاب، فضلًا عن الضوابط الخاصة بالمركبات، وحركة المرور في الساحات والشوارع والطرق التجارية، والتواجد في أسواق عيد الميلاد والمراكز الدينية والمباني الرمزية أو في الأماكن المتوقع وجود تجمعات كبيرة من الناس فيها. إن سلامة المواطنين وأمنهم هي بلا شك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجميع، وتستلزم تكاتف المؤسسات المعنية كافة، وتضافر الجهود على المستويين المحلي والدولي للحيلولة دون وقوع أية هجمات إرهابية.