أروى بريس
يشهد الوضع الإجتماعي بالمغرب احتقانا غير مسبوق، بسبب العديد من الملفات التي أسيء تدبيرها من قبل قطاعات حكومية، خصوصا في قطاع التعليم و العدل، إضافة إلى موجة غلاء الأسعار الأخيرة التي أججت الوضع أكثر، حيث تعالت أصوات، نقابية بالخصوص، للإحتجاج، مما ينذر بمزيد من الإحتقان.
وإذا كان الحديث عن تعديل حكومي مرتقب، قد أثير قبل أشهر، فإن مراقبين للشأن السياسي بالمغرب، يرون أنه صار ”مطلبا ضروريا”، بعد تزايد حدة الإحتقان، حتى قبل منتصف الولاية الحكومية الحالية.
وقد يكون التعديل المرتقب ـ إذا حدث ـ فرصة لامتصاص الغضب الشعبي والتنفيس على الاحتقان المتزايد، لدرجة المطالبة بإقالة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، نتيجة الزيادات المهولة في أثمان المواد الغذائية والمحروقات وغيرها من المنتجات الاستهلاكية الكثيرة.
وإذا كانت أسبوعية “جون أفريك” قد ألمحت أخيرًا إلى إمكانية “التضحية” بشخصيتين وزاريتين هما عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، وعبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي، فإن الصالونات السياسية المحلية تروج أيضًا أسماء أخرى قد يعصف بها التعديل المرتقب أو قد يقزّم من حجم القطاعات التي تتولاها.
آراء أخرى تذهب إلى القول إن الحديث عن التعديل الوزاري مجرد “تكتيك” لإلهاء الرأي العام المحلي عن الاهتمام بـ”الوجع اليومي” الذي يكتوي به المواطنون البسطاء، في معيشهم وصحتهم وتعليمهم ومواصلاتهم وطرقهم، وذلك بعدما اشتد الخناق حول الطبقتين الشعبية والمتوسطة، فكانتا مطالبتين لوحدهما بدفع ثمن الأزمة الاقتصادية الناتجة ـ بحسب الخطاب الحكومي ـ عن مخلفات “كوفيد 19″ والحرب الروسية الأوكرانية وكذا انعكاسات الجفاف وشح المياه.
أما عمليًا وواقعيًا، فلم يلمس المواطن المغربي بعد الإجراءات التي وعدت بها أحزاب الأغلبية الحكومية الثلاثة سواء خلال الحملة الانتخابية التي سبقت اقتراع سبتمبر العام المنصرم، أو تلك التي ترددت كشعارات فضفاضة في البرنامج الحكومي.
والمثير للانتباه أن أغلبية عزيز أخنوش تختبئ دائمًا وراء تعليمات العاهل المغربي وخططه الكبرى والرؤى الاستراتيجية التي يعبّر عنها في خطبه خلال المناسبات الوطنية، ولا تعمل على تجسيد انتظارات المغاربة في برامج عملية ملموسة. ومن ثم، يلاحظ استمرار الغليان في قطاعات حيوية كالتعليم والطب والبلديات وغيرها… ولا تحدّ منها محاولات الحكومة استمالة المركزيات النقابية الأكثر تمثيلًا نحوها، بالإضافة إلى إغرائها بالوعود وحتى ببعض الدعم، وكذا اللعب على الوقت.
صحيح أن أحزاب المعارضة غير منسجمة فيما بينها، ولم تعمل على رصّ صفوفها في غرفتي البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين)؛ وصحيح أيضًا أن المواطن المغربي لا يسمع أحيانًا سوى احتجاجات لأحزاب صغيرة كـ”الحزب الاشتراكي الموحد” الذي تقوده المحامية نبيلة منيب، و”الحزب المغربي الحر” الذي يرأسه المحامي إسحق شارية؛ ولكن المعارضة القوية هي التي باتت تتشكل اليوم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لدرجة أن هاشتاغ “أخنوش ارحل” حطم رقمًا قياسيًا على مستوى التفاعل في المغرب، إذ فاق مليوني مشاركة. والمثير للسخرية أن تعتبر أطراف من الأغلبية أن من يقف وراء هذه الحملة حزب بعينه (تلميحًا إلى “العدالة والتنمية” المعارض) أو حسابات وهمية أنشئت على شبكة التواصل الاجتماعي.
وما دامت “العدالة الاجتماعية” مطلبًا مؤجل التنفيذ في المغرب، فإن الحكومة أمام امتحان عسير. وإذا كانت تفتخر بما تسميه “السند الشعبي” على مستوى عدد الناخبين المؤيدين لها، فالأصوات التي زكّت أحزاب الأغلبية خلال الانتخابات التشريعية والبلدية السابقة، هي نفسها التي تطالبها اليوم بحلول عملية للأزمات المتفاقمة.