يونس لقطارني
أحلم بوطن يعرّفني بأني مواطن مغربي ، لا يفرق بين الناس بقبيلة ولا عرق ولا دين ولا طائفة ولا احزاب سياسية ، وطن يشعرنا أنه للجميع وفوق الجميع..
أحلم أن تكون سياسة وطني الداخلية والخارجية من صنع أولئك الأطفال الذين عشت معهم مراحل طفولتي فى المدن والبوادي .. وهم الآن في أرقى المناصب، لكنهم يفتقدون لابسط الاشياء المشاركة في صنع القرار السياسي !
أحلم أن يكون الجيل الذي تربيت في ظلاله(تحية لابناء بلدتي دوار العلوية رغم المعاناة والاقصاء يبقي جيل ذهبي )، بات اليوم سيد قراره، وبات يشكل وطنه الجديد بمشاركته السياسية،أحلم بشعب قوي ، لا يرضى أن يكون مهمشًا .. ما أسرع ما ينتفض .. ما أسرع ما يهُب .. يهابه المسؤول في كل مكتب وكل وزارة وكل جماعة وكل بلدية و مقاطعة..
أحلم بك يا وطني .. يا وطن الموارد والطاقات والثروات.. والأموال التي تملأ أرصدة البنوك السويسرية والامريكية .. أحلم بك شامخ في جبين التاريخ المعاصر .. أتدري أكثر شيء يؤلمني؟ أنا لا أتألم من الجوع والعطش، ولا من البطالة، ولا لأني لا أملك سكنًا ولا سيارة، لكني أتألم أن لا أجد وطني على الخارطة، لا أجده يلعب دورا إقليميًا في المنطقة، أعرف تمامًا أنك ستقول إنك لاعبٌ إقليمي، لكن المرمى ليس المرمى، إنه ملعب كرة القدم يا وطني .. وأنت تلعب كرة السلة!
إني أشعر بالإهانة حين لا أجدك يا وطني في فلسطين .. ولا في الثورات العربية .. وأنت أنت !! هل تعلم أنك بمكانك الجغرافي، وقدراتك المالية و ترواتك الخيالية ، كنت قادرا على إخراج الأمة من أزمتها ! فما الذي فعلته بالله عليك !! كنت مع من وضد من؟ وأغرقت بالمال من؟ وتربصت بمن؟
أحلم أن تكون يا وطني ملجأ الباحثين عن العدالة من كل العالم، موطن الضعفاء الشرفاء الذين لم تسعهُم دولهم، لا ملجأ من يخجل التاريخ من ذكر اسمهم.
أحلم بمستقبل أعرف ما هو، حتى إذا وصلت إليه قلت لأبنائي : لقد قلنا نريد دولة اقتصادية، وحققنا الحلم .. أردنا دولة تعليمية، وحققنا الحلم .. أردنا دولة تحقق الأمان لنفسها و لجيرانها، والتقدم لشركائها في اللغة والدين، دولة سياسية من الطراز الأول، وحققنا الحلم ..
بالله عليك ماذا سنقول لأولادنا ؟ نحن جيل ضيع عمره في صراعات خاوية يا وطني ! جيل يفرح بانتخاب نصف مجلس بلدي بلا صلاحيات !جيل يقبض الرشاوي، ويجلس لساعات فى التفهات يغتاب هذا وذاك ولا يرمي النفايات في سلة المهملات.
أحلم بريادة في الفنون، أن نكون قبلة المسرح العربي والعالمي، أحلم بسينما ننتجها ونشارك بها السينما العالمية ..
أحلم بمال يخرج من الفوسفاط و من الثروات الطبيعية و من جوج بحور إلى وزارة المالية إلى مكانه المخصص له ،دار الايتام والفقراء والمساكين والعاملين والمحتاجين، دون قطاع وفساد الطريق، أحلم بميزانية نقية .. شفافة معلنة .. لن أحلم بوطن بلا فساد، أعرف أن الفساد في كل مكان، لكني أحلم بمحاسبة المفسدين، (كائنا من كان) وقد عرض على القضاء .. وحوسب .. وحوكم .. وصار عبرة لكائنات سياسية أخرى.
أحلم بوطن يشعرني بالاطمئنان، حين أخاف من الناس ألجأ إلى قانونه، وحين يظلمني الناس ألجأ إلى قضائه، هل تعرف يا وطني .. سأقول لك سرًا .. حين أفكر في التجارة .. فأنت (وكائنا من كان) أول من أخاف منهم .. وحين أفكر بالكتابة والكلام .. فأُذنك أول ما أخاف منها .. بل أخاف أن تأخذني خطأ .. فأقضي حياتي فيما لا ذنب لي فيه .. لا أخاف من الناس ولا من الحياة ولا من المرض .. بقدر ما أخافك .. أحلم يا وطني أن تكون مصدر أمان لي .. لا مصدر خوف !
أفكر في ابنتي الصغيرتين اروى ومريم ، فأحلم بمستقبل لهما، لا أريدك أن تحفظهما كالجوهرة المكنونة، أريدك أن تعدُّهما مواطنات كاملات الأهلية، لست أخاف عليهما من نفسهما .. صدقني .. أريدهما حرات .. فقد ربيتهما وسأقضي حياتي في تربيتهما .. أريدهما آمنات حاصلات على حقوقهما في كل أوضاعهما .. (بنات/ متزوجات/ وحيدات/ أمهات) .. أريدهما مواطنات يا وطني.
هل تسمح لي أن أحلم بوطن يفاخر العالم بأنه خال من سجناء الرأي كالريسوني وبوعشرين والمهداوي و الزفزافي وحراك الريف وجرادة واللائحة اكثر من ان تعد وتحصى .. ياااه .. ياله من حلم، بسجون مفتوحة أمام كل مؤسسات حقوق الإنسان، لا تخاف إعلامًا أجنبيًا ولا مؤسسات حقوقية، ياله من حلم جميل، أحلم بسجناء لا يوقفون أكثر من شهر واحد على ذمة التحقيق، فإما أن يحاكموا أو أن يطلقوا، أحلم بقضاء مستقل، ومهيأ، أحتمي به من “كائنا من كان”، أحلم بالعدل يا وطني.
انه حلم يا وطني .. لأني أنا من يحلم وكثيرون معي ..