عادل المير -أروى بريس
يعتبر الشك أحد المظاهر الصحية في التركيبة النفسية للإنسان ، إن لم نقل أهم السلوكات البسيكولوجية التي حركت التفكير البشري مند النشأة الأولى عبر التاريخ، من خلال ظاهرة الدهشة كانفعال طبيعي أمام الظواهر الغريبة التي لم تستأنس بها الذات لعدم قدرة العقل على استيعابها أو عبر طرح تساؤلات فلسفية علمية للاجابة عن إشكالات معقدة ،كل هده العوامل ساهمت بشكل كبير في تطوير الفكر الإنساني لينعكس بالضرورة على ظروف العيش ، و تحقيق طفرة على المستوى التكنولوجي ،والحضاري بشكل عام.
من جهة أخرى ،كان للشك دور أساسي في عملية اليقين بالذات الإلهية ،والإيمان بوجود رب لهدا الكون ،حيث نجد العديد من العلماء بل والأنبياء أيضا لجؤو إلى طرح تساؤلات لتفسير ظواهر عجز عن تحليلها إدراكهم الفكري، والتي عمرت لوقت طويل وراء خطوط حمراء على شاكلة مسلمات أو طابوهات ،وأمام هدا الوضع كان لزاما حصول ثورة فكرية تعيد للإنسان مكانته الخاصة باعتبار ملكة العقل التي ميزته عن باقي المخلوقات التي تكتفي في نظامها الطبيعي بعامل الفطرة ،هده الثورة اسست لمرحلة جديدة قطع بها العنصر البشري أشواطا مهمة مكنته من الحصول على إجابات مقنعة وشافية، سواء تعلق الامر بتطوير آليات العيش و ظاهرة الإيمان أو المعتقد ،وهنا مثلا نجد النبي إبراهيم عليه السلام ،عندما عجز عن فهم الظواهر الفلكية وعظمتها كالشمس والقمر، والتي شكلت في لحظة من اللحظات بدائل إلهية لمحاجة قومه في ظلالهم، لم يستطع الاخد بها نظرا لأفولها و عدم استمراريتها في العطاء ، والذات الالهية منزهة عن هده الصفة،وعلى هدا الأساس فطن إلى حاجته لتوجيه إلهي يعزز به دفعاته و براهينه التي تفند ما يدعون إليه ، وفي موطن آخر لولا سقوط التفاحة لما اكتشف أمر الجادبية من طرف العالم نيوتن، الشاهد هنا هو أن الشك الدي يبعث على التساؤل، مسألة لا يمكن تجاوزها في التعاطي مع الإشكاليات و المواقف التي نتفاعل معها يوميا ،بمعنى أن هدا الإصطدام في تحليل المتناقضات والأضداد كمدخلات للديالكتيك والتي صنفت العديد من المفكرين والفلاسفة في خانة الهرطقة والإلحاد ، هدا الإجراء الفكري هو شر لا بد منه باعتباره شكل منطلق وأحد أسباب الكشف عن الإلتباس في مسألة التوحيد والألوهية ،والله سبحانه وتعالى حين دعاه إبراهيم عليه السلام ليكشف له كيفية إحياء الموتى ، لم يلقى سؤاله بالرفض والتصدي؛ قال تعالى(و إذ قال إبراهيم ربي أررني كيف تحيي الموتى،قال أولم تومن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) إذن فالحقل الديني هنا يؤكد على ضرورة التساؤل والبحث في الخطاب الإلهي ليعبد الخالق عن علم {إنما يخشى الله من عباده العلماء} وفي هدا السياق القرآني يرى الإنسان بجلاء إقرارات الإيمان بالعلوم الحديثة والفلسفة،ومحاربة كل أشكال التقليد التي لا يمكن تبريرها علميا.
فالشك إذن ينزل منزلة التفكير من العقل و هو نتيجة حتمية للوجود حسب الفيلسوف ديكارت والحديث عن الوجود هنا المراد منه تحصيل المعرفة للكشف عن حقيقة الموجودات معرفة كاملة ودقيقة ،غير أن الشك هنا لا يكون مطلقا بل مجرد وسيلة لتحصيل المعرفة. وأخيرا وعلى ضوء ما تطرقنا إليه علينا التعامل مع أي حالة شك، على أساس منطلقها وسببها، فقد يكون الشك من منطلق الجهل والصدق في طلب الحقيقة، فنعتبره شكاً منهجياً صحياً. وقد يكون الشك حالة نفسية تعالج بما يناسبها، وقد يكون الشك قضية سوفسطائية وتبريرية، وهو أبعد أنواع الشك عن الحقيقة.