بقلم : يونس التايب
يتعين أن يرقى النقاش حول “غلاء الأسعار” إلى ما يستحقه من جدية يستفيد فعلا الناس منها، عبر تناول مختلف الجوانب والمعطيات التي يتداخل فيها ما له بعد وطني ومحلي، و ما له أسباب خارجية.
الموضوع له حساسية خاصة، تفرض تناوله بالتزام الصدق في الكلام و المنطق في التحليل، و التركيز على مسؤولية كل الفاعلين، من مسؤولين عموميين و سياسيين و خبراء اقتصاديين و أرباب مقاولات و إعلاميين و مجتمع مدني و مواطنين، في البحث عن حلول و مخارج من الأزمة، و الابتعاد عن الخطابات الشعبوية التي تستهدف المزايدة من هذا الطرف على ذاك.
أحببنا أم كرهنا، ظاهرة “الغلاء و التضخم” لها ارتباط بدرجات ونسب متفاوتة، بدوائر “التجارة” و”الاستثمار” و “الاقتصاد” و “السياسة النقدية”. وهي دوائر لا تسير بهوى هذا و ذاك. وبالتالي، ليس من المفيد استثمار الموضوع لتأجيج ألام الفئات الهشة و كسب التعاطف عبر ترويج تفسيرات خاطئة جزئيا لظاهرة أكبر من تهافت المتهافتين، أو تقديم الحلول السهلة Solutions de facilité التي تدغدغ العواطف لكنها لا تستقيم بميزان المنطق عند التنفيذ …
تناول موضوع غلاء الأسعار يحتاج إلى مقاربة شمولية، نطرح فيها أسئلة منطقية حول بعض الاختيارات الكبرى التي اتخذناها سابقا في المجال الاقتصادي و الاجتماعي، و نفكر في جدوى الاستمرار في نفس الاختيارات مستقبلا … و بحثنا عن الأجوبة يجب أن يكون تشاركيا يحتكم إلى المصلحة الوطنية بعيدا عن الاعتبارات الفئوية و المنافع الشخصية التي ستنتهي، بمنطق السوق و الليبرالية، إلى الإساءة لأصحابها، و جلب الضرر للاقتصاد الوطني و خلخلة التوازن المجتمعي الهام جدا بالنسبة للدينامية التنافسية الاقتصادية و تشجيع التنمية …
هنالك مساهمات جادة و نقاشات هادفة من مجموعة من الخبراء و الإعلاميين. و هذا أمر جيد و مطلوب. لكن للأسف، بعض “الفاعلين السياسيين” و بعض “المؤثرين”، ساروا بالنقاش بعيدا عن الاتجاه الرصين المطلوب، حيث تم تناول الموضوع في بعض الفيديوهات و بعض اللايفات، بشكل عاطفي بعيد عما هو منتظر من الفاعل السياسي و الإعلامي. بل، هنالك من سقط في مقارنات بين أثمنة المواد الغذائية في المغرب و في دول أخرى، بشكل غير دقيق و غير صحيح… و هذا ليس هو المنتظر و المأمول …
في رأيي، والله أعلم، الحديث عن “غلاء الأسعار” يجب أن يسير بنا إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية :
1- إثارة الانتباه، من باب المسؤولية الأخلاقية، إلى حساسية الوضع الاجتماعي في ارتباط بأثر الغلاء؛
2- الترافع، من باب المسؤولية السياسية و المواطنة، لدعوة السلطات العمومية إلى المبادرة بتخفيف الضرر عن الفئات الفقيرة والمتوسطة؛
3- إفراز أفكار أو اقتراحات، ذات طابع اقتصادي وتدبيري، يمكنها المساعدة في معالجة موضوع الغلاء عبر تحيين بعض الاختيارات الفلاحية لضبط تموين الأسواق الوطنية و التأثير في الأسعار.
أما تأجيج الغضب و دغدغة المشاعر بشكل سياسوي و اختزال الموضوع في شخص هذا المسؤول العمومي أو ذاك، فلا أظنها ستنفع الناس في شيء، أو تغير واقع المواطنين، بقدر ما ستزيد، فقط، في أعداد “المتابعين” وأعداد “اللايكات”، و ترفع المدخول شهري لصاحب “اللايف” الذي “يدغدغ” أكثر …
“المؤثر”، حين يختار موضوعا لإبداعاته تناول قضايا “الشأن العام”، عليه مسؤولية أخلاقية تفرض عليه عدم “الضحك على الدقون”، لأن الأسر التي يدعي التعاطف معها أو الدفاع عنها، “فيها ما يكفيها”، و لا تستحق مزيدا من الأذى المعنوي …
لذلك، قولوا للناس ما ينفعهم بصدق، و وجهوا النقاش في اتجاهات تمكن من تحصيل إضافات إيجابية تطور الواقع نحو الأفضل، و تحافظ للناس على الرغبة والقدرة على الصمود، و تساعد في إيجاد حلول للمشاكل، بروح وطنية غيورة … أما من لا يستطيع ذلك، فالأكرم له أن يصمت لعل رحمة الله تتنزل عليه و علينا و على المتضررين فعلا من غلاء المعيشة …
#أنيروا_الطريق
#سالات_الهضرة
#المغرب_كبير_على_العابثين