أروى بريس
كتب وزير الخارجية الأسبق والخبير في العلاقات الدولية، ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي،مقال تحليلي حول ”العزلة المتفاقمة للنظام الجزائري” على المستويين الإقليمي والدولي.
وتناول المقال، المعنون بـ “Irán, Medio Oriente y el aislamiento de Argelia”، العلاقة الوثيقة التي تربط النظام العسكري في الجزائر بنظام الملالي في إيران، محذرا من أن هذا التحالف لم يعد ينتج سوى خسائر متراكمة لنظام متآكل، خسر رهاناته الكبرى داخليا وخارجيا، في وقت تتجه فيه دول العالم إلى الاعتراف المتزايد بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
الكاتب، الذي لا تجمعه بالمنطقة المغاربية سوى موقع المراقب المهني والمحلل المحايد، وصف الجزائر بأنها الدولة “التي لم تتوقف يوما عن التآمر ضد جارتها المغرب”، مدفوعة بهوس جيوسياسي مرضي لانتزاع منفذ على المحيط الأطلسي، عبر صراع مصطنع على إقليم الصحراء المغربية.
ولتحقيق هذا الهدف، بحسب تعبيره، “اشترت الجزائر جبهة البوليساريو”، وذهبت أبعد من ذلك باختلاق كيان وهمي لا وجود له في الواقع، يتمثل في ما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية الديمقراطية”، التي لم تعد تلقى أي اعتراف فعلي على الصعيد الدولي.
تحذيرات الكاتب لا تقف عند حدود التوصيف، بل تستند إلى معطيات استراتيجية تتعلق بانهيار أحد أعمدة الدعم الخارجي للنظام الجزائري، وهو النظام الإيراني نفسه، الذي يعيش حالة اختناق سياسي واجتماعي وعسكري داخلي وخارجي. فالمظاهرات المتواصلة في إيران، والغليان الشعبي ضد هيمنة رجال الدين، والوضع الحربي مع إسرائيل، كلها مؤشرات على قرب نهاية نظام طهران، الذي اختار النظام الجزائري التموقع بجانبه، في رهان خاسر لا محالة. ومع انهيار إيران، يفقد النظام الجزائري آخر حلفائه الأيديولوجيين، ويتبقى له مواجهة واقع مر، لا أطلسي، لا نفوذ، ولا شرعية شعبية داخلية.
في المقابل، يشير المقال إلى نجاح المغرب في فرض تصوره الواقعي والبراغماتي لحل النزاع المفتعل في الصحراء، من خلال مقترح الحكم الذاتي الذي بات يحظى بدعم واسع من دول وازنة، على رأسها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإسبانيا، إلى جانب غالبية أعضاء الأمم المتحدة. هذه الدول لم تكتف بالدعم الدبلوماسي، بل تحولت إلى شركاء استراتيجيين للرباط، مما جعل من المغرب نقطة ارتكاز أساسية في السياسات الغربية تجاه شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
أما الجزائر، فقد أصبحت، بحسب ماكاي، بلا بوصلـة، بلا شركاء، وبلا مشروع. فروسيا لم تعد تهتم بها لانشغالها بجبهات أهم، والصين لا تستثمر في الهزائم، بل في النجاح، وهو ما لا تجده في دولة منهكة اقتصاديا ومتأزمة سياسيا. حتى على المستوى الشعبي، فإن هناك وعيا متزايدا، يقول الكاتب، بضرورة أن تلتحق الجزائر بدينامية التعاون الإقليمي بدل البقاء أسيرة لقيادات عسكرية تسكنها أوهام الأمس.
المقال يتوج خلاصته بتحذير مباشر للنظام الجزائري، داعيا إياه إلى أن ينظر في مرآة الواقعية السياسية المغاربية، ويتخلى عن وهم الوصول إلى الأطلسي عبر الصحراء المغربية. ويؤكد أن الجزائر لا تملك أي مؤهلات جيواستراتيجية لذلك، وأن الحل الوحيد الذي ما زال ممكنا، هو القبول بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية والانخراط في مسار تفاوضي مسؤول لتفكيك كيان البوليساريو وضمان مستقبل أفضل لمنطقة تستهلك الصراعات فيها ما كان يجب أن يوجه إلى التنمية.
إن ما كتبه الديبلوماسي البيروفي ليس خطابا مغربيا، ولا موقفا متحيزا، بل شهادة صدرت من على بعد آلاف الكيلومترات، من عاصمة لاتينية لا مصلحة لها في الاصطفافات المغاربية، لكنها تملك ما فقدته الجزائر منذ زمن، وهي نعمة البصيرة.