يونس لقطارني – أروى بريس
دارت الأيام وتبدلت الاعوام وتغيرت أقوام وانتشرت الاقزام وجاء زمن الرويبضة و التافهين ،تراجعت فيه الثقافة وانكمش فيه المثقفون.. تقوقعوا.. أو تسيسوا.. أو شغلتهم لقمة العيش في زمن ثقافة البؤس والمنحطين ، وهي ثقافة قديمة قِدم الزمان والمكان ، حين كانت أكياس الدنانير هي المقابل الوحيد لقصيدة في مدح حاكم أهبل..، أو ثمنا لهجاء يمسح بخصٍم أو منافسٍ ، المهم.. راح زمن الثقافة والمثقفين.. وازدهر زمن التفاهة والتافهين، ولكن الغريب هو أنه لم يبرز حتى الآن من يطالب بوزارة للتفاهة تناطح وزارة الثقافة أو تحل محلها..! (التفاهة) برزت فجأة مع بروز الانفتاح الذي بدأ اقتصاديا ثم راح ـ في غفلة من الزمان ـ يحتل كالسرطان مواقع الاعلام المغربي .. والفن.. والثقافة.. والرياضة، ثم انتهى ـ بعد ان ثبت اقدامه ومواقعه ـ بالسياسة والسياسيين لتصبح (التفاهة) سيدة كل المواقف.. وليصبح التافهون نجوم العصر وسادة هذا الزمان! وهنا يتبادر السؤال ملحاً.. لماذا لا نكون واقعيين ونسعى جادين لانشاء وزارة لـ (التفاهة) تنظم ما أمكن سوق التفاهة والمنحطين اخلاقيا ، تقنن امورها.. وتضع لها الضوابط والقواعد لجعلها تفاهة حضارية تليق بوطننا العريق..! لتتبوأ التفاهة فيه كل المواقع تقريبا.. ولتتصدى بكل اصرار لنشر التفاهة ولفتح الأبواب ـ وخاصة الاعلامية منها ـ لسيل لا ينقطع من التفاهة.. ولأعداد لا تحصى من التافهين يعرضون ـ بكل فخر ـ تفاهتهم وضحالتهم على الملأ.. ارضيا وفضائيا…. مشفراً احيانا.. وغير مشفرٍ أحيانا أخرى، وفي المشفّر لا يكتفي المشاهدون ـ من بنى قحطان ـ بالتعايش مع التفاهة طوال نهارهم وليلهم.. بل يدفعون راضين مقابلا لذلك..!! غالبية الناس أصبحت تتعامل مع التفاهة بشكل واقعي..، بعضهم رضي بها باعتبارها شيئا عاديا لا مفر منه ولا مناص من القبول به طالما انه الموجود ولا بديل له، والبعض الآخر تحمس للتفاهة ودافع عنها باعتبارها تطوراً حضاريا لابد من مواكبته وتشجيعه بدلا من (كلكعة) الثقافة وعقد وتعقيدات المثقفين والجادين، فالتفاهة دمها خفيف.. والتافهون دمهم شربات، وتحولت التفاهة شيئا فشيئا الى ما يشبه حقن المورفين التي لا يستطيع المدمنون العيش بدونها.. والأعجب من ذلك انها حقن يحميها القانون ويروج لها الاعلام البئيس ..! في (وزارة التفاهة) التي نقترح انشاءها لن يتحمل الوزير وحده كل المسؤوليات فهناك ـ كما في باقي الوزارات مساعدون له بدرجة وكيل وزارة يقتسمون مسؤوليات (التفاهة) فيما بينهم، فهذا وكيل وزارة لشؤون التفاهة الكروية.. وذاك وكيل وزارة لشؤون التفاهة السينمائية والمسرحية.. وآخر وكيل وزارة لشؤون التفاهة الثقافية.. ورابع وكيل وزارة لشؤون التفاهة السياسية.. وهي آخر وأخطر التفاهات..! كذلك نقترح اقامة مهرجانات تفاهية لكل نشاط تافه من النشاطات المشار اليها، وتوزيع جوائز سنوية لأتفه فيلم.. وأتفه مسرحية.. وأتفه برنامج تليفزيوني.. وأتفه كتاب او عمل ادبي، ويتبع ذلك بالطبع مسابقة لاختيار اتفه مخرج سينمائي.. وأتفه ممثل او ممثلة.. وأتفه عمل مسرحي،، وأتفه مخرج تليفزيوني.. وأتفه مذيع او مقدم برامج وكذلك اتفه مذيعة او مقدمة برامج، وتمويل هذه الجوائز من ريع الأعمال الهابطة فنيا او اعلاميا والتي حققت ـ لفرط تفاهتها ـ ايرادات مليونية.. كما حدث لأتفه فيلم سينمائى عرض مؤخرا..! وانطلاقا من هذه المهرجانات والجوائز السنوية نقترح اخيرا يوما وطني للتفاهة يكرم فيه التافهون في كل المجالات، وتمنح فيه جوائز الأوسكار للتفاهة من الدرجة الأولى وحتى العاشرة لمن تجمع لجان الاختيار على اعتبارهم اتفه التافهين، والذين حققوا خلال مشوار حياتهم تفاهات صارت بصمات واضحة في تاريخ التفاهة على مدار الزمن…..مبروك للتفاهة.. ومبروك للتافهين مقدما، وفي انتظار تحقيق هذا (الحلم) وانشاء الوزارة الجديدة المقترحة.. لكم أطيب المنى..!!
عاش المغرب خاليا من التافهين ولا عاش من نشر التفاهة والرداءة والانحطاط الاخلاقي.