إعداد مولاي المهدي غرايبة – أروى بريس.
لقد ظل الحديث عن حرية الصحافة بالمغرب محل نقاش وجدل كبير منذ بزوغ فجر أولى ارهاصات العمل الإعلامي بالبلد فشكل ذلك النقاش الحاد صراعا بين منظومتين أو خطين فكريين، المنطلق الذي شكل الأرضية التأسيسية للاشتغال الإعلامي المهني رغم ما يشوبه من القيل والقال بين اللحظة وغيرها، لا يمكننا في هذا الصدد الحديث عن حرية الصحافة بالمغرب أو الإعلام بشكل عام دون الرجوع إلى الأدبيات الأساسية لهذه الحرية ومنابعها القانونية والكونية التي توافق عليها المجتمع الدولي بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مرورا إلى بسطها بشكل تنظيمي في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، هذه الوثيقة القانونية تعد الحجر الأساس بالبناء العام والتأطير التفصيلي ضمن الحقل الإعلامي وتأسيسه للرأس المال الرمزي المرتبط بما هو اجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي، هذه الأدوار المهمة أطرتها المادة 19 واضعة في الوقت ذاته القيود عن هذه الحرية وحدودها. في خضم كل هذا وجد المغرب نفسه في سياق التحولات العالمية ما بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس ميثاق كوني للشعوب والسير في مسار توطيدها كمبادئ أساسية وحق طبيعي لذا كل فرد، فكان حريا إلا أن يعيش الإعلام المغربي هذه التجادبات مند 1958 وميلاد ما يسمى بقانون الحريات العامة، تدرجا نحو قانون الصحافة والنشر كإطار قانوني مستقل إلى شط النقاش المركب الذي يشهده الحقل الإعلامي اليوم.
لا يمكن تشكيل أي نظام سياسي متكامل دون وجود البراديغم الإعلامي ضمن سلسلة من التحولات التي توجد بعمق المنظومة وجزء لا يتجزأ منها، كأن الشئ يحمل بداخله نقيضه. فالصحافة المغربية في بداياتها بعد الاستقلال كانت بقلب النقاش الحاد ما بين القوى السياسية من أجل تحديد البنية الدستورية والمؤسساتية للمغرب، لكن المنعرج الحقيقي و سٱل البقاء برز بشكل واضح خلال بدايات فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والتي عرفت بـ”سنوات الرصاص”، إذ لم يسلم ضمنها الجسم الإعلامي من ظروف التقييد والتشديد والتقويض والمنع في حالات عديدة وأقصاها السجن، ضاربين عرض الحائط كل المبادئ الكونية والحقوق الطبيعية ونهج سياسة “البروباغندا الإعلامية” وهذا في مجمله ضمن سياق زمني معين حكمته ظروف وتحديات وأشكال قانونية وعلاقات خارجية محددة.
وفي حدود التسعينات شهدت المملكة المغربية منعرجا جديدا كان الانفراج السياسي عنوانا لهذه المرحلة، وبشكل طبيعي ووفق ما تقتضيه المرحلة من اتساع لدائرة حرية التعبير، فكانت حكومة التناوب وما رافقها نتاج هذه الحقبة التاريخية، فجل الأحداث والمعطيات أشارت إلى تحسين جودة العمل الصحفي، لكن ميلاد الصحافة المستقلة طرح مجددا سؤال البقاء وكأن التاريخ يعيد نفسه بٱليات جديدة أنتجتها الثورة الإلكترونية، بالإضافة إلى كون الموارد الاقتصادية صارت عاملا رئيسيا في عمليىة الاستمرار وإعادة الانتاج وكذا رغبة السلطة السياسة ومدى تجاوبها بالسلب أو الإيجاب، فدائرة اتساع حرية الصحافة والتعبير ارتفع منسوبها بعد لحظة العشرين من فبراير 2011 وما تلاها من أحداث، فكان النقاش الأساسي حول خلق إطار قانوني مستقل للإعلام بعيدا عن بدائية قانون الحريات العامة في شقه المتعلق بالصحافة والنشر، فكان صدور الجريدة الرسمية في الخامس عشر من غشت 2016 اللحظة التي شهدت ميلاد ما يعرف بمدونة الصحافة والنشر والتي تتضمن قانون 88-13 المتعلق بالصحافة والنشر و قانون 90-13 المتعلق بالصحافيين المهنيين وقانون 91-13 المرجع بالتأسيس للمجلس الوطني للصحافة كهيئة ينظمها قانون وليس ضمن هيئات الحكامة التي أفرد لها الدستور بابا كاملا (الباب 12 من الدستور)، رغم كل هذا كبرت التساؤلات و صار الحديث بصوت عال حول أدوار الصحافة ومدى مصداقيتها، بعدما كان الحديث عنها باحتشام على مقاعد الصالونات والمقاهي، فالحرية كعامل أساس طرح سؤال التجويد ضمن سيرورة اشتغالها، فضلا عن محاولة إعادة النظر في تجربة سنة 2016 التي أبانت عن قصور آلياتها التنظيمية والقانونية.
عطفا على ما سبق فإن التأصيل النظري ضرورة ملحة من أجل رسم صورة شاملة حول الموضوع ووضع الأمور ضمن سياقاتها الصحيح، فإن العموميات وروافدها تساهم في خلق نوع من الاتزان المنهجي، الشئ الذي يبرز ضرورة دراسة الحالة المغربية من خلال مقاربة تجريبية تكشف عن الجوانب المتعلقة بالموضوع خصوصا من الناحية القانونية وعلاقتها بالسلطة السياسية والمشاكل البنيوية التي تعتري المشهد الإعلامي وتخلق جوا من عدم الثقة بين مكوناتها وتأثيرها بشكل أو ٱخر عن صورة المجال الإعلامي لدى المتلقي، هذا الأخير يعد الحلقة الأهم ضمن مسار التواصل الإعلامي الذي يمكن إبرازه في القوة الناعمة التي تضع أثارا مادية ومعنوية عن المجتمع.
ولا يسعنا الحديث عن موضوع الحرية دون المرور على مجموع التراكمات الصحفية والتقارير الصادرة عن مجموعة من المنظمات غير الحكومية والتي أفردت كثيرا من أبوابها لتقييم الوضع الصحفي بشكل عام ووضعية اشتغال الصحافيين والصحافيات داخل هذه المنظومة، لكن في ظل قراءة متأنية لا يمكننا النظر “بيتوبية” لهذه التقارير وكأنها كتاب مقدس يجب الأخذ بكل ما فيه ونفي معاريضيه، هنا لا بد من الإشارة أن ما نعمل عليه اليوم يستوجب خيارين أساسيين أو بالأحرى إحدى ضروريات الالتزام الأخلاقي المهني، المتجلية في وضع مسافة بين الذات والموضوع وإعادة النظر في الخلاصات حتى ولو كانت غير تلك المرجوة.
بعد إغلاق هذا القوس يجب أن نسير في طريق وضع صورة كربونية من الداخل للوضع الإعلامي بالمغرب و في هذا الصدد تحدثنا إلى الصحفي المهني وعضو المكتب التنفيذي للمنتدى المغربي للصحافيين الشباب “عبد الناصر الكواي” الذي شرح وضعية حرية الصحافة بالمغرب واصفا و متسائلا في نفس الوقت على هامش الانسياق نحو معترك على حساب الٱخر، حيث جاء تصريحه على الشكل الٱتي ” بداية، لا ينبغي الانطلاق من وجود تضييق على حرية الصحافيين في المغرب بوصفه مسلمة، ففي المسألة نسبية كما هو معلوم.
في هذا السياق، أحيل على ما قالته آمنة بوعياش، بمناسبة تخليد اليوم العالمي لحرية الصحافة هذه السنة، حيث دعت إلى ضرورة مواصلة تعزيز احترام حرية الصحافة، والنهوض بأوضاع الصحافة والصحافيين. وبالتالي، إجراء تقييم جماعي وهادئ وجاد ورصين وموضوعي لمنظومتنا الوطنية، حتى نستطيع الجزم بوجود هذا التضييق من عدمه.
قد نتفق أن هناك تراجعات في مقابل مكتسبات تحققت للجسم الصحافي المغربي في وقت سابق. لكن قبل أن نتحدث عن تراجع حرية الصحافة والصحافيين، يجب أن ننظر في النماذج الدالة على هذا التراجع، لا سيما في ظل “الوعد الدستوري” والزخم الحقوقي، الذي يكرسه دستور 2011.
وهنا أتجهُ رأساً، إلى إشكالية ازدواجية التجريم؟ هل العبرة بطبيعة فعل ما أم بطبيعة صفة “مرتكبه”؟ بمعنى أدق وبعد التأكيد على تضامني المهني المطلق مع الزملاء، هل يكفي أن أكون صحافيا حتى لا أحاسب أو أعاقب على أفعال تترتب عليها عقوبات قانونية بعيدا عن ممارستي المهنية؟
ما أعلمه هو ألاّ وجود لصحافيين خلف القضبان في المغرب بتهم تتعلق بمزاولة مهنتهم. وما أرجوه حقا، هو ألا يصدق القول “إنهم يتابعون بما حركته عليهم مماسة الصحافة”. ذلك أنني أعرف صحافيين يمارسون دورهم في مساءلة أصحاب القرار، ونقل صوت المستضعفين، وكشف الفساد، وانتقاد ما يرونه غير قويم في السياسات العمومية، وهم بخير لم يمسسهم سوء.
لكن أن أكون صحافيا من مقترفي الأفعال المجرمة، وفي الوقت نفسه أنتقد أمثالي من المخالفين للقانون والأخلاق فهذه مفارقة.
عدا ذلك فإن التضييق على الصحافيين مدان بكل الأشكل، انطلاقا من أن دور الصحافي في أي مجتمع، يظل مرتبطا بمسعى البحث عن الحقيقة من مبدإ كونه “حارس البوابة”. علما أن من تبعات ذلك، أننا اليوم لم نعد نبحث عن الخبر أو المعلومة، في الوقت الذي نريد والشكل الذي نريد، بل أصبحت المعلومات تستهدفنا وأصبح الخبر يصلنا بشكل وبطريقة لا نتحكم فيها.
كما أن حرية الصحافة معيار للديمقراطية، ومتى تم التضييق عليها كان لذلك أثر مباشر على الصرح المجتمعي المنشود برمته. إذ إن الصحافة المهنية والأخلاقية، الصحافة المستقلة والحرة، هي تلك التي تستحضر أدوارها المجتمعية وتعي أهميتها في المجتمع على عدة أصعدة. وبفقد هذه الصحافة، نفقد من يثير الانتباه إلى القضايا الحقوقية، ويساهم في مساءلة أصحاب القرار عن قراراتهم وسياساتهم العمومية، ويوصل أصوات الفئات الهشة، وينخرط في تثقيف الجمهور…
وهنا تظهر ضرورة التحصين وتحقيق مكتسبات أكبر في سيرورة ومسار حماية الحقوق والحريات، بشكل عام، وحرية الصحافة والإعلام بشكل خاص.”
لا يمكننا المرور على جل المعطيات الواردة في هذا التصريح دون الخروج باستنتاجات تؤكد على أن المشكل الذي تعاني منه المنظومة الإعلامية المغربية لا تتجاوز فكرة الوقوف أمام منعرج طرق يضع الإعلام المغربي في محل اتخاذ القرار، “الإبتعاد عن الطوبوية وأفكار الكمال و التنزيه أو خيار النقض وإعادة تدوير كل المكتسبات السابقة أوالسير في نهج الفكر المثالي النرسيسي”، هنا يمكننا أن نؤكد على أن مسألة الحرية صارت ورقة ضغط تلعب بها عدد من الجهات التي تسعى إلى نفي كل ما حققه المغرب خلال السنوات الأخيرة، في الوقت ذاته، ساعية إلى تبخيس كل ما ثم بناءه في وقت سابق، رغم أننا نقر من خلال ما أشارت إليه النتائج المستخلصة من العمل الميداني الذي أسسنا على خلاصاته هذه الورقة، إلى كون هذا الصرح الإعلامي يعاني مشاكل مركبة، تستوجب إعادة النظر في التعامل مع القضايا، عبر التأسيس لفكرة مفادها أن الحرية ليست رهينة بالأفكار الفوقية وأحكام القيمة التي تفقد الامور جوهرها وتدفع بشكل مباشر وغير مباشر إلى خلق وهم يتمحور حول وضع “باردوكس” السجن والسجان للصحافة، راسمين فكرة “الدولة الأوليغارشية”.
وفي هذا السياق يمكننا الإشارة إلى معطى أساسي ضمن سيرورة حرية الصحافة بالمغرب، المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة المجسد للتوجه التطبيقي للحرية وسقف أكبر من هامش اشتغال الصحافيين والصحافيات، علما أنه قبل خمس سنوات صدر قانون يؤطر هذا المجال معتبرينه حينها مكتسبا تشريعا، لكن التوجس كان حاضرا بفعل عدد من القضايا المتعلقة بالصحافيين المتابعين في إطار الحق في الوصول إلى المعلومة، لتكون هذه الوثيقة القانونية بمثابة رأب للصدع، وفي هذا الإطار أشار أستاذ القانون الإداري عبد الله حارسي أنه رغم التقدم القانوني فيما يتعلق بالحق في الوصول المعلومة لكن المشاكل التنظيمية تخلق نوعا من عرقلة المساطر وعدم تفعيل القانون بشكل سليم، ليورد قائلا: إن الدستور يضع قيودا على الحق في الوصول إلى المعلومات، غير أن المتعارف عليه دوليا أن الاستثناءات تكون نسبية ما دام الكشف عن المعلومة لا يحدث ضررا مؤكدا للمصلحة العامة.
ونبه حارسي إلى أن الصيغة التي وردت في القانون حول اللجنة المكلفة بإعمال الحق في المعلومة تجعل منها مجرد جهاز إداري تابع لرئيس الحكومة، ولا تملك سلطة اتخاذ قرارات حول الشكاوى التي تعرض عليها، مما يجعل اللجوء إليها بلا جدوى، ولذلك اقترح تشكيل هيئة خاصة مستقلة للسهر على تطبيق هذا القانون.
بعد حديثنا عن حرية الصحافة والحق في الوصول إلى المعلومة لا يمكننا الإغفال في هذا السياق أدوار المجتمع المدني التي تشتغل بشكل دائم وفعال في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وسمو مبدأ حرية الصحافة عبر بوابة العمل الميداني، في جو خال من أي شوائب، وهذا ما تبرزه تجربة “المنتدى المغربي للصحافيين الشباب”، الذي عمل لأزيد من خمس سنوات إلى جانب الصحافيين والصحافيات ومختلف الشركاء داخل الحقل المدني والسياسي والاقتصادي من أجل توطيد المبادئ الكونية والشمولية والتعريف بالترسانة القانونية الدولية والوطنية، فضلا عن أدوار تضطلع بالمتابعة والتقييم مرورا إلى إصدار تقارير تغني الخزانة الإعلامية المغربية وتحقب في نفس الوقت لفترة مفصلية يعيشها المجال الإعلامي عبر رسم وضعيته بطريقة شمولية.
ولا بد من العروج إلى نقطة مهمة أثارت النقاش أثناء اللحظة الدستورية لسنة 2011 وما تبعها حول دور الصحافة ضمن نسق ترسيخ مفهوم متقدم من الديموقراطية والمتمثل بالديموقراطية التشاركية ومدى اشتغال الاعلام داخل هذا الشكل القانوني إلى جانب شريك رئيسي آخر متجسد في المجتمع المدني، وفي هذا الصدد أفاد لنا المهتم بقضايا حرية الصحافة والتعبير والمجتمع المدني محمد الصفاوي على أن المجتمع المدني شريك أساسي في ترسيخ قيم حرية التعبير وأن الحق في الوصول للمعلومة حق دستوري ممنوح للفاعلين المدنين، موردا “للمجتمع المدني الدور في تفعيل الحق في المعلومة ،حيث فلسف هذا الحق مشيرا إلى أن المملكة المغربية تسير وفق التطورات التي يعرفها العالم ، من خلال التشريعات التي تنظم العديد من المجالات ،وهذا امر محمود ، وعلى المجتمع المدني ان يترافع على هذه القضايا المجتمعية ، ومنها الحق في الولوج إلى المعلومة ،مقارنا كلمة الولوج إلى المعلومة في القانون المغربي ،بكلمة النفاذ إلى المعلومة في القانون التونسي ،وكلمة نفاذ ،في نظره ،هي اعمق من الولوج. مؤكدا على أن الحق في الولوج إلى المعلومة هو حق شمولي ولا يقبل التجزئة ،وهو ايضا حق اصيل ، والمهم هو تنزيل هذا القانون وغيره من القوانين ، على ارض الواقع ، وبالتعاقد المبني على الشفافية ،واعمال الديمقراطية التشاركية في انتاج القرار الشأن العام، والتفعيل انطلاقا من النجاعة والفعالية ،وقياس النجاعة والفعالية لهما معاييرها ، وعلى المجتمع المدني ان يتملك هذه المصفوفات، حسب تعبيره، ومن التنزيل والتفعيل الى التقييم الذي هو النتيجة التي سيتحصلها المجتمع المدني من تلك القوانين”.
وعودة إلى موضوع قانون الصحافة والنشر المعرف بعدد 88.13 والذي يعد حجر الزاوية بهذا الموضوع، فإن عددا من الفاعلين ضمن الحقل القانوني أكدوا على أن القانون في اطاره العام يعتبر مكتسبا تشريعيا، لكنه في الوقت ذاته يحمل في طياته مجموعة من النقاط التي تثير عددا من التساؤلات القانونية، حيث تم ابراز دور أو اشكالية اعتماد المشرع على التفاصيل ومن المعروف أن المثل الانجليزي الشهير يقول “في التفاصيل يكمن الشيطان”، وشيطان الصحفيين هنا يمكن أن يقود لمتابعات مالية أكثر قسوة والتي تندرج في خانة المسؤولية الفردية للصحفي أو الصحفية عكس ما كان سابقا من مسؤولية تضامنية، الأمر الذي يفتح نافذة لمتابعة الصحفيين في حالة عدم الأداء بمساطر المادة الجنائية التي تم نفيها، لتعود في نفس الوقت في غفلة عن الجميع.
إن وضع حرية الصحافة والتعبير لا يمكننا قياسه من خلال معطيات فضفاضة تمنحنا استنتاجات بعيدة عن الواقع، علما أنه يستوجب دراسة الحالة المغربية عبر عرض تاريخي يبرز التحولات النسقية، فضلا عن محاولة التقييم وفق معايير مضبوطة تتماشي مع الوضع الإعلامي الراهن والمعرفة الفعلية لظروف اشتغال الصحفيين والصحفيات، فوضع الصحافة بالمغرب ومشاكله تتعلق بمشاكل تنظيمية واهتزاز مؤسساتي يتمحور بشكل واضح حول تحديد معالم هذه المهنة في عصر صارت فيه المعلومة تنفذ بطريقة لا يمكن التحكم فيها، فضلا على أن وضعية حرية التعبير ليست قاتمة كما يتم الترويج لذلك، إذ أن الوثيقة الدستورية لسنة 2011، أقرت مبدأ سمو القوانين الدولية بديباجتها، معتبرة إياها جزء لا يتجزأ من المتن الدستوري، عكس الدساتير الخمس السابقة للمملكة المغربية، أيضا من خلال هذا البحث استقصائي وجدنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن مساحة الحرية اتسعت بشكل غير متحكم فيه، إذ أن هناك العديد من النشطاء عبر هذه المنصات من ينتقدون وبقوة مجموعة من المؤسسات الحيوية والسيادية دون أن تطالهم العقوبات السالبة للحرية.
لا يسعنا في الأخير، إلا أن نشير إلى كون الصورة النسبية التي رسمها هذا العرض الإعلامي حول واقع حرية الصحافة والتعبير بالمغرب، يحيلنا إلى خلاصتيين أساسيتين؛ الأولى تبرز قيمة المكتسبات والسعي للمزيد في إطار ما يحدده القانون، وأن الصحفي ليس رسولا منزها، لكنه في نفس الوقت يجب أن يشتغل في ظروف تتماشى مع كل المعايير المهنية والاقتصادية والأخلاقية، أما بخصوص الشق الثاني فمشكل الصحافة ليس إشكال حرية أو غير ذلك كما يحاول تصويره البعض والترويج له، بل يتعدى إلى مستوى مختلف، يتمثل في عدم الاستقرار الاقتصادي والتخبط التنظيمي وضبابية فكرة شكل الصحافة المغربية، فضلا على أن محاولة تنزيل الإصلاحات تأتي بطريقة فوقية من جانب المهنيين نفسهم واستفادة فئة معينة من كل هذه التعبئة، ناهجين سياسة “خطاب الجهالة” بالشكل الذي أفرده الايطالي “أنطونيو غرامشي” في أدبياته، متناسين القاعدة (الصحافة المحلية والجهوية) التي تعد الخزان والأساس وسرعة المعلومة وصحافة القرب وليس وسيلة للضغط، لنخلص في الأخير إلى سؤال رئيس: بعد تجاوز مفهوم الحرية واكتسابه كحق طبيعي، كيف يمكن خلق ثورة شاملة في ميدان الصحافة برسم مجال على الشكل العمودي أو الهرمي نافين صحافة الهامش كما تسمى “احتقارا” وسعي فئة لإحكام قبضتها على المجال ومحاولة صنع صحافة على المقاس، فارضة قيودا على زميلاتها وتمارس الرقابة والتضييق وحنينهم المستمر إلى الماضي؟
3 تعليقات
تحليل رائع
Good Luck
كل التوفيق المنتدى المغربي للصحافيين
تحليل في المستوى موفق