توفيق بوعشرين
يحاكم الآن في الجزائر كاتب وروائي. الأول معتقل في السجن بتهمة الخيانة العظمى والمس بوحدة التراب الجزائري، والثاني يحاكم على صفحات جرائد السلطة ومواقع العسكر وتلفزيونات المخابرات بتهمة الولاء لفرنسا وخيانة السردية الرسمية للحرب الأهلية ولو عن طريق عمل أدبي (رواية “الحورية”).
الأول هو بوعلام صنصال، والثاني هو كمال داوود، الذي حصل مؤخرًا على جائزة الغونكور الأدبية عن روايته التي تستحضر فظاعات العشرية السوداء.
التهمة الحقيقية للاثنين، الكاتب والروائي، هي الجريمة الأخطر في الجزائر والعالم العربي: حرية الرأي والتعبير، إلى درجة الاختلاف مع الدولة وروايتها للأحداث، وللتاريخ، والجغرافيا، وللمستقبل.
الكاتب، والروائي، والصحافي والسياسي والحقوقي والنقابي ممنوع على كل واحد من هؤلاء الاختلاف مع السلطة الحاكمة والمتحكمة في الدولة: على الحاضر (السياسة)، وعلى الماضي (التاريخ)، وعلى المستقبل (الاستشراف).
لا سردية تاريخية غير تلك الموجودة في المقررات الدراسية التي وضعتها السلطة، ولا مستقبل غير ذلك الذي يبشر به الرئيس أو الأمير أو القائد العسكري …ولا حاضر سوى ذلك الواقع الوردي الذي يرسمه الحاكم لشعبه في كل نشرة مساء على شاشة التلفزيون المعلب. غير ذلك فهو من عمل “حزب فرنسا” ومخططات الخونة ورثة الحركيين لقطاء موائد الغرب وما في معنى هذا السب (اللّطيف) للكتائب الإعلامية المزدهرة بضاعتها هذه الأيام من النهر إلى البحر في حق كل صاحب رأي مستقل.
ماذا ترك عسكر الجزائر من مساحة للقول و للكتابةو للشعر وللنثر؟ ماذا تركت الخوذة من هامش للصحفيين والمثقفين غير تفسير الأحلام على مذهب ابن سيرين وتأويل الكوابيس المنتشرة على طول خارطة العالم العربي؟ وحتى تفسير هذه الكوابيس يجب أن يتحرك المرء داخلها بحذر شديد، وقد أعذر من أنذر.
أكبر بلد في إفريقيا والعالم العربي، الذي تمتد جغرافيته إلى أكثر من 2.3 مليون كيلومتر مربع، لا يوجد فيه مربع واحد للاختلاف مع السلطة. بلدٌ هذا أم علبة كرتون؟
الإعلام الفرنسي، الذي غيّر الكثير من جلده القديم، وأصبح المال وازدواجية المعايير والنفاق والتحيز يلعب داخله أدوارًا غير مهنية وغير أخلاقية، تجند كليًا للدفاع عن داوود وصنصال. وأنا لا أعترض على ذلك، بل أشجعه وأتمنى أن يبقى وأن يتمدد إلى كل البلدان، وإلى كل الصحافيين، وإلى كل صاحب رأي كتب رواية أو مقالًا فوجد نفسه يوقع محاضر الشرطة في الكوميساريات بدلًا من أن يوقع الروايات في المكتبات.
فقط أتساءل: لو لم يكن الاثنين معًا كاتبين فرنكوفونيين، وكانت فرنسا الدولة على وفاق مع قصر المرادية، هل كانت حملة الإعلام ستتحرك لمناصرة الكاتب والصحافي؟
ما رأيكم أن نهدي هذه القصيدة لنزار قباني حول سيرة سياف عربي إلى الجار العزيز الجنرال شنقريحة، وأن نطلب منه أن يبعث نسخة منها إلى مرؤوسه عبد المجيد تبون ؟
أيها الناس … لقد أصبحتُ سلطانًا عليكم
فاكسروا أصنامكم .. بعد ضلال واعبدوني!
أنا الأولُ والأعدلُ .. والأجملُ من بين جميع الحاكمين
وأنا مخترع المشنقة الأولى .. وخير المرسلين!
كلما فكرتُ أن أعتزل السلطة .. ينهاني ضميري!
من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين؟!
من سيشفي بعدي الأعرج والأبرص والأعمى .. ومن يُحيي عظامَ الميّتين؟
كلما فكرتُ أن أترككم .. فاضتْ دموعي كغمامة
وتوكلتُ على الله .. وقررتُ أن أحكم الشعب إلى يوم القيامة!
أيها الناس .. أنا أملككم .. مثلما أملكُ خيلي وعبيدي
وأنا أمشي عليكم .. مثلما أمشي على سجّاد قصري
فاسجدوا في قيامي .. واسجدوا في قعودي!
أيها الناس، أنا “الحجاج”
وأنا جنكيز خان .. جئتكم بحرابي .. وكلابي وسجوني
لا تضيقوا أيها الناس ببطشي .. فأنا أقتل كيْ لا تقتلوني!
وأنا أشنق كيْ لا تشنقوني .. وأنا أدفنكم في ذلك القبر الجماعي كيْ لا تدفنوني …
توفيق بوعشرين 3/12/2024
4 تعليقات
gluco6 reviews : https://gluco6reviews.usaloves.com/
gluco6 reviews : https://gluco6reviews.usaloves.com/
This actually answered my drawback, thanks!
I’d perpetually want to be update on new content on this internet site, saved to my bookmarks! .